للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي حياة برزخية روحية تتمتاع فيها الروح بشتى أنواع الملذات الحسية والمعنوية «١» ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية فقال: «أرواحهم في جوف طيور خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطّلع الله عليهم إطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ فقالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» .

وفي مسند الإمام أحمد نحو حديث مسلم وفي اخره: «فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلّغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ..

الاية. فلا تعجب وهذا موقف القران والسنة من الجهاد والاستشهاد أن ضرب المسلمون الأولون في باب الجهاد وحب الاستشهاد مثلا عليا نادرة، وأن جادوا بأرواحهم طيبة بذلك نفوسهم، وأن حرصوا على الموت أكثر من حرصهم على الحياة، وكانت لهم في هذا المضمار بطولات لم يعرفها التاريخ لغيرهم، وسيأتيك من أنباء هذه البطولات الشيء الكثير.

الأطوار التي مرّ بها الجهاد

[الطور الأول]

لقد كان القتال في هذا الدور مقصورا على القرشيين الذين عذّبوهم، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، والذين لا يزالون يعذبون المستضعفين الذين


(١) وهذه الحياة البرزخية فوق الحياة الدنيوية لتجرد الأرواح فيها من شوائب المادة، وخلوها من البلاء، والالام، والمنغصات التي لا تسلم منها الحياة الدنيوية، ودون الحياة الاخروية لعودة الأرواح فيها إلى أجسادها، وكمال التمتاع فيها باللذائذ الروحية والجسمانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>