للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدعو إليه، ويكره الكفر ويحذّر منه، ونصوص القران حافلة في هذا المعنى، ولهذا عقّب الله التخيير بقوله محذرا ومنفرا:

إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها.

والكفر رأس الظلم، فلا يتوهمن أحد أن حمل الاية على التخيير وعدم الإكراه يشعر بإباحة الكفر أو الرضا، حاشا لله أن يكون هذا، ولعل خوف هذا التوهم هو الذي حدا كثيرا من المفسرين على حمل الاية على التهديد والوعيد، حتى مثّل علماء البلاغة للأمر الذي يراد به التهديد بهذه الاية، فالاية بنصها تخيير، ولكنه تخيير يستلزم تهديدا ووعيدا لا محالة في حال اختيار الكفر على الإيمان، وهي نصوص صريحة في عدم الإكراه على الإسلام.

وأما السنة فقد جاءت مؤيدة لما جاء به القران، وإليك طرفا منها:

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا «١» ، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم» «٢» .

وهكذا ترى أن النبي لم يأمر بالقتال إلا بعد أن تستنفد الوسائل السلمية، وليس بعد استنفادها إلا أنهم قوم مفسدون أو يريدون الحرب، وقد بينت فيما سبق أن الجزية ليست للإرغام على الإسلام، وإنما هي نظير حمايتهم


(١) الغلول: الخيانة في الغنيمة، الغدر: عدم الوفاء بالعهود في الحروب، المثلة: تقطيع أعضاء المقتول، وتشويه جسده بعد القتل أو قبله.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي، ج ١٢ ص ٣٧، ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>