للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك تحقق للنبي والمسلمين شرف التوجه إلى القبلتين.

وقد كان التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة في منتصف شهر رجب على الصحيح، وبه جزم جمهور العلماء، ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس، وذهب البعض إلى أن التحويل كان في نصف شعبان، وهو قول ضعيف، وقد اختلف العلماء في أول صلاة حصل فيها التحويل، فقيل الظهر، وقيل العصر، والتحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم زار أم بشر بن البراء بن معرور خارج المدينة في بني سلمة، فصنعت لهم طعاما، وحانت صلاة الظهر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للصلاة في مسجدهم، وبعد أن صلّى بهم ركعتين نزل جبريل على النبي بتحويل القبلة فاستدار النبي وهو في صلاته إلى الكعبة، واستدار معه أصحابه، فسمّي هذا المسجد، المسجد ذي القبلتين؛ ولا يزال مكانه موجودا إلى وقتنا هذا بالقرب من المدينة، وفيه مكان القبلتين.

ثم خرج النبي إلى المدينة فحانت صلاة العصر فصلاها إلى الكعبة، ثم خرج رجل ممن صلّى معه بالمسجد النبوي، فمر على بني حارثة في مسجدهم وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم بتحويل القبلة، فاستداروا وهم في صلاتهم إلى الكعبة، ثم ذهب هذا الرجل أو غيره إلى قباء، فأدركهم في صلاة الفجر وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم بنزول القران بالتحويل إلى الكعبة، فتوجهوا في صلاتهم إليها، وبهذا التحقيق يحصل التوافق بين الروايات المختلفة الواردة في هذا المقام، والتي يكمل بعضها بعضا «١» .

وقد أكثر اليهود من الطعن في النبي والمسلمين بسبب هذا التحويل، ولهجوا بقالة السوء، مع علمهم من كتبهم أن هذا سيكون، وأن توجهه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس لن يدوم، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى موقفهم هذا في قوله:

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «٢» .


(١) صحيح مسلم بشرح النووي، ج ٥ ص ٩؛ فتح الباري، ج ١ ص ٧٩- ٨١.
(٢) سورة البقرة: الايتان ١٤٢، ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>