للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غزوة العشيرة «١»

وفي جمادى الأولى أو الثانية بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش بأعظم عير لها، قد جمعوا فيها أموالهم حتى لم يبق بمكة قرشي له مثقال إلا بعث به في تلك العير، وكان يرأسها أبو سفيان بن حرب في بضعة وعشرين رجلا من قريش، فخرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وحمل لواءه عمه حمزة، ولم يزل سائرا يسعى الليل ويخفى النهار حتى بلغ العشيرة، فوجد العير قد أفلتت، مما يدل على أن قريشا بدأت تأخذ حذرها، وترسل لذلك العيون والجواسيس.

وفي أثناء عودته حالف بني مدلج وحلفاءهم بمثل ما حالف بني ضمرة، وبهذا كسب أيضا ودّ قبيلة أخرى من القبائل الواقعة على طريق التجارة بين مكة والشام، وهذا ولا شك فيه تقوية للمسلمين وإضعاف لقريش، فقد قطع عليهم الرسول بهذه الأحلاف أن يستجيروا بقبيلة من هذه القبائل، ويحتموا بها، وهي سياسة حكيمة ولا ريب.

[غزوة بدر الأولى]

لم يقم الرسول بالمدينة إلا بضع ليال بعد أوبته من العشيرة، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح «٢» المدينة حيث ترعى الأغنام ليأخذ منها ما تصل إليه يده، فخرج الرسول في طلبه بعد أن استخلف على المدينة زيد بن حارثة مولاه، وكان يحمل اللواء علي بن أبي طالب، حتى بلغ واديا يقال له «سفوان» من ناحية بدر، ولكن كان قد هرب كرز فلم يدركه، وهكذا بيّن النبي بهذا العمل الحازم أنه لن يقبل من أحد انتقاص حقوقهم، أو الإغارة على المدينة وما حولها من حمى وقرى.


(١) العشيرة بالتصغير والشين بهاء وبغيرها، وبالسين بهاء وبغيرها: مكان ببطن ينبع.
(٢) السرح: المرعى الذي ترعى فيه الدواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>