للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما لبث أبو جهل حين سمعه أن صاح بالناس من عند الكعبة يستنفرهم، وكان أبو جهل رجلا خفيفا حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر، ولم تكن قريش في حاجة إلى من يستنفرها فقد كان لكل منهم في هذه العير نصيب.

فتجهز الناس سراعا وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ والله ليعلمنّ غير ذلك، فكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رجلا. وأوعبت قريش «١» ، فلم يتخلف من أشرافها إلا أبو لهب بن عبد المطلب، فقد بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة استأجره بأربعة الاف درهم كانت عليه قد أفلس بها، وكاد أمية بن خلف يتخلّف، وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا، ذلك أنه سمع من صديقه سعد بن معاذ- وقد ذهب إلى مكة معتمرا بعد الهجرة- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنهم قاتلوك» قال: بمكة؟

قال سعد: لا أدري. فلما حصل الاستنفار تذكر هذا وداخله رعب شديد.

ولكن الله إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب، فلم يلبث أبو جهل- وقد علم بخبر تخلفه- أن جاءه ومعه عقبة بن أبي معيط، ومع عقبة مجمرة فيها بخور، ومع أبي جهل مكحلة ومرود، فوضع عقبة المجمرة بين يديه وقال له:

يا أبا علي استجمر فإنما أنت مثل النساء، وقال أبو جهل: اكتحل أبا علي فإنما أنت امرأة، فلم يجد بدا وقد استثارا حميته بهذا الكلام الجارح لرجولته إلا أن قال لهم: ابتاعوا لي أجود بعير بمكة، وخرج معهم وفي نيته أن يرجع بعد قليل متسللا، ولكن منيته ساقته إلى حتفه رغم أنفه، وهكذا لم يتخلّف بمكة قادر على القتال، غير بني عدي فلم يخرج منهم أحد.

[تخوف قريش من بني بكر]

وكانت قريش تتخوف إذا خرجت إلى لقاء النبي وصحبه أن يأتيهم بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة من خلفهم، لما كان بينهم من ثارات وقتل في الجاهلية، حتى كاد ذلك يثنيهم عن الخروج لولا أن جاء سراقة بن مالك بن


(١) يقال: أوعب القوم إذا خرجوا جميعا إلى الغزو.

<<  <  ج: ص:  >  >>