للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأتى أبو سفيان مناخهما فوجد في روث بعيريهما نوى، عرفه من علائف يثرب، فأسرع إلى أصحابه، وعدل بالسير عن الطريق المعهود متبعا ساحل البحر، مسرعا في سيره حتى نجا بالعير كما قدمنا، وأصبح الغد والمسلمون في انتظار مرور العير بهم، فإذا الأخبار تصلهم أنها فاتت، وأن قريشا بجموعها تعسكر بالقرب منهم، وهكذا أفلتت العير، ولم يبق إلا النفير وتعيّن القتال.

[جيش المسلمين في بدر]

وسار المسلمون حتى نزلوا بعدوة الوادي الدنيا «١» بعيدا عن الماء في أرض سبخة، لا تثبت عليها الأقدام، فأصبحوا عطاشا، وبعضهم جنب، وبعضهم محدث، ووجد إبليس وأعوانه مجالا للوسوسة، وإلقاء الريب والشكوك في النفوس، فهجس قائلا: ما ينتظر المشركون منكم إلا أن يقطع العطش رقابكم، ويذهب قواكم، فيتحكموا فيكم كيف شاؤوا.

[اية من السماء]

ولكن الله عز شأنه أبطل كيده، ومنّ عليهم بأن أرسل عليهم السماء مدرارا فشربوا، وتوضأوا واغتسلوا، وملأوا الأسقية، ولبّد المطر الأرض من تحت أقدامهم، فسّهل لهم السير، على حين كان نقمة على المشركين، فقد وحل الأرض تحت أقدامهم، حتى لم يعودوا يقدرون على الارتحال، وصدق الله حيث يقول:

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ «٢» .

وسار جيش المسلمين حتى نزل أدنى ماء من بدر.


(١) العدوة: جانب الوادي. الدنيا: القريبة من المدينة، أما العدوة القصوى فهي البعيدة عنها.
(٢) سورة الأنفال: الاية ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>