للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عوف بن الحارث وهو ابن عفراء: يا رسول الله ما يضحك الربّ من عبده؟ قال: «غمسه يده- أي سيفه- في العدو حاسرا» ، فنزع درعا كانت عليه فقذفها، وصار يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه.

[القوى الروحية تفوق القوى المادية]

وأخذ رسول الله كفا من الحصا بيده، ثم خرج واستقبل القوم فقال:

«شاهت الوجوه» ثم رماهم بها وقال لأصحابه: «شدّوا» فشدّوا.

والتحم الجيشان، واشتد القتال، وحمي الوطيس، وتعانقت السيوف، وتخاطبت الأسنة بدل الألسنة، وتوالت الإمدادات الإلهية بجند الله من الملائكة تثبت قلوب المؤمنين، وتزفّ لهم البشرى، وتلقي الرعب في قلوب المشركين، وتشارك في القتال أحيانا، وصدق الله:

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ «١» .

وأظهر المسلمون بطولات فائقة، وعرفت الدنيا أن القوى الروحية لا تقهرها القوى المادية، وأن النفس البشرية إذا امتلأت بالإيمان وحب الشهادة تضاءلت أمامها شم الجبال الراسيات، فما بالك بالنفوس الخاويات، والقلوب الفارغات؟ وأن الله القوي القاهر يمد عباده المؤمنين بنصر من عنده إذا صدقوا الإيمان، وأخلصوا له في الجهاد، وانتصروا على شهواتهم وأنفسهم، واتقوا الله حق تقواه.

وكان شعار المسلمين يوم بدر «أحد. أحد» ، وما هي إلا ساعة حتى انجلت المعركة عن نصر حاسم للمسلمين، وهزيمة منكرة للمشركين، فقتل سبعون من صناديدهم، وأسر سبعون، ومن أفلت من القتل أو الأسر سارع إلى الهرب وقال: النجاء النجاء!!.


(١) سورة الأنفال: الاية ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>