للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تزد خسارة المسلمين يومئذ عن أربعة عشر شهيدا: منهم ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار. ولا عجب فقد كانت يد الله فوق أيديهم، وقوته معهم، وكأنما كانت الحصى التي رمى بها الرسول سهاما صائبة ونارا محرقة؛ وصدق الله:

وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «١» .

وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «٢» .

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «٣» .

وكان هذا النصر المبين في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان يوم الفرقان الذي فرّق الله فيه بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وهو يوافق اليوم الذي ابتدأ الله فيه نزول القران على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يتعبّد في غار حراء، وبين التاريخين أربع عشرة سنة قمرية، بدئت بالقران، وتوّجت بيوم الفرقان.

[مشاركة الرسول في القتال]

ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء والتحريض على الجهاد، فقد شارك في القتال. روى الإمام أحمد بسنده عن علي قال: (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله وهو أقربنا من العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا) . وروى البخاري بسنده عن ابن عباس أن رسول الله خرج من العريش يوم بدر وهو يثب في الدرع ويقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ، وهذه الاية مكية قطعا، ولكن وقع مصداقها يوم بدر، وهذا ممّا سبق نزوله معناه، ولما نزلت الاية بمكة قال عمر: أي جمع هذا؟! فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ... فعرفت تأويلها يومئذ «٤» .


(١) سورة الأنفال: الاية ١٧.
(٢) سورة الأنفال: الاية ١٠.
(٣) سورة ال عمران: الاية ١٢٣.
(٤) الإتقان ج ١ ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>