للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا بالمدينة، وزعموا أن النبي قد قتل وأن المسلمين هزموا، فلما جاء المبشّران شرقوا بريقهم، ورأوا أنهم قد ذلّوا وهانوا حتى قال أحد زعماء اليهود: بطن الأرض اليوم خير من ظهرها بعد أن أصيب أشراف الناس وساداتهم، وملوك العرب وأهل الحرم الامن.

وقد جاءت البشرى والمسلمون منصرفون من دفن السيدة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تركها مريضة لمّا خرج لبدر، وخلف معها زوجها عثمان، فخفّف من هول المصاب ما منّ الله به على المسلمين من نصر مؤزر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا مثلا لإيثار مصلحة الإسلام والمسلمين على الأهل والولد.

[الاختلاف على غنائم بدر وقسمتها]

لما أراد المسلمون أن يقتسموا الغنائم التي غنموها في بدر اختلفوا، فقال الشباب الذين خرجوا يتعقبون الكفار: نحن الذين نفينا عنها العدو، ولولانا لما أصبتموها، وقال الرجال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ونافحوا دونه: نحن خفنا على رسول الله أن يصيب منه العدو غرة، فاشتغلنا به عن جمع الغنائم، وقال الذين جمعوا الغنائم: نحن الذين استحوذنا عليها وليس لأحد فيها نصيب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجمع الغنائم حتى يحكم الله حكمه فيها، فأنزل الله سبحانه قوله:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «١» .

وقد ذهب بعض كتّاب السيرة كابن إسحاق وبعض العلماء كأبي عبيد القاسم بن سلّام إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قسمها بين المجاهدين بالبواء يعني بالسواء، ولم يخمّسها، وهؤلاء يرون أن هذا الحكم كان في مبدأ الأمر، ثم نسخ فيما بعد بقوله سبحانه:


(١) سورة الأنفال: الاية ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>