للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكلام له حلاوة لا أحفظه» فقال بعض قومه: نحن نحفظه، فقال: «هاتوه» فذكروا خطبته المشحونة بالحكم والمواعظ.

وروى الطبراني في كتابه «المعجم الكبير» والحافظ البيهقي في كتابه «دلائل النبوة» عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيكم يعرف قسّ بن ساعدة الإيادي» ؟ قالوا: كلنا نعرفه يا رسول الله، قال: «فما فعل» ؟ قالوا: هلك، قال: «فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام، وهو على جمل أحمر وهو يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس:

اجتمعوا، واستمعوا، وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو ات ات، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا ... » إلى اخر خطبته المشهورة ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفيكم من يحفظ شعره» ؟ فأنشده بعضهم قوله:

في الذاهبين الأول ... ين من القرون لنا بصائر

لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر

لا يرجع الماضي إل ... يّ ولا من الباقين غابر

أيقنت أني لا محال ... ة حيث صار القوم صائر

ولذلك قال الجاحظ في «البيان والتبيين» : «ولإياد وتميم خصلة ليست لأحد من العرب، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الذي روى كلام قس بن ساعدة وموقفه على جمله بعكاظ، وموعظته، وهو الذي روّاه لقريش والعرب، وهو الذي عجب من حسن كلامه، وأظهر من تصويبه، وهذا إسناد «١» يعجز عنه الأماني، وتنقطع دونه الامال، وإنما وفق الله ذلك الكلام لقس بن ساعدة، لاحتجاجه للتوحيد، ولإظهاره معنى الإخلاص وإيمانه بالبعث، ولذا كان خطيب العرب قاطبة» «٢» .


(١) في البداية والنهاية: «وهذا شرف ... » .
(٢) البيان والتبيين، ج ١ ص ٥٢، ط ثالثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>