للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شئت فاقعد، فقال: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين أعدائه» .

وأذّن مؤذّن رسول الله بالخروج، فخرج في ألف من أصحابه واستعمل على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم، ثم عقد الألوية فأعطى لواء المهاجرين لمصعب بن عمير، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن حضير، وسار الجيش، وفي الطريق بصر النبي بكتيبة كبيرة فسأل عنها، فقيل له هؤلاء حلفاء ابن أبي من اليهود، فقال: «لا حاجة لنا فيهم، إنا لا نستعين بكافر على مشرك» ونعمّا فعل، فهم قوم مرنوا على الخيانة والنفاق فلا يؤمن جانبهم.

فلما وصلوا إلى الشوط «١» انخزل عبد الله بن أبي بثلاثمائة من أصحابه وقال: أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس؟ فرجع من اتّبعه من قومه من أهل النفاق والشك، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فقال: يا قوم، أذكّركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، فلما استعصوا عليه قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه. وفي هؤلاء المنخزلين نزل قول الله تعالى:

وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ «٢» .

ولما رجع ابن أبي وأصحابه همّت بنو سلمة وبنو حارثة أن ترجعا، ولكن الله ثبتهما وعصمهما، وفي ذلك نزل قوله سبحانه:


(١) الشوط: مكان بين المدينة وأحد.
(٢) سورة ال عمران: الايتان ١٦٦- ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>