للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضا، وهم لا يشعرون، كما حدث في قتل «اليمان» «١» والد حذيفة، فقد قتله المسلمون خطأ وهم لا يعرفونه، واعتذروا لحذيفة، فقال: يغفر الله لكم، وأراد رسول الله أن يعطيه دية أبيه فأبى، وتصدّق بها على المسلمين، فما زال في حذيفة بقية خير حتى لقي الله عز وجل.

[شائعة قتل الرسول]

واندفع المشركون نحو رسول الله يريدون قتله، منهم ابن قمئة، فتلقاه مصعب بن عمير، فقتله ابن قمئة ظنا أنه رسول الله، وصاح صائح: ألا إن محمدا قد قتل، وهنالك عظمت البلية، وطاشت أحلام المسلمين، وذهلوا عن أنفسهم، فمنهم من ولّى هاربا، ولم ترده إلا حيطان المدينة فرجع استحياء، وفي هؤلاء نزل قوله سبحانه:

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ «٢» .

ومنهم من انطلق صاعدا فوق الجبل وألقى بسلاحه من هول الفاجعة، ثم لم يلبثوا أن فاؤوا إلى الرسول وإلى القتال بعد أن أفاقوا من أثر الصدمة، ومنهم من قاتلوا دفاعا عن دينهم وحماية لأنفسهم، وهم كثير منهم: حنظلة بن أبي عامر، وكعب بن مالك، وقتادة بن النعمان، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر.

وقدم أنس بن النضر عم أنس بن مالك على قوم ممن أذهلتهم الشائعة وألقوا بسلاحهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله، فقال: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن ربّ محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما قال


(١) هو حسيل بن جابر، وسمي اليماني لأنه من ولد جروة بن مازن، وكان جروة قد بعد عن أهله في اليمن زمنا طويلا، ثم رجع إليهم فسموه اليماني.
(٢) سورة ال عمران: الاية ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>