للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزيد بن الدّثنّة، وعبد الله بن طارق، فنزلوا إليهم فلما استمسكوا بهم حلّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، فقال عبد الله: هذا أول الغدر حتى إذا كانوا بالظهران في طريقهم إلى مكة انتزع عبد الله يده منهم، ثم استأخر عنهم وأخذ بسيفه ليقاتلهم، فرجموه بالحجارة حتى مات شهيدا، وأما خبيب «١» وزيد فباعوهما لأناس من أهل مكة بأسيرين من هذيل، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر ليقتلوه بأبيهم الذي قتله يوم بدر، واشترى زيدا صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فحبسوهما حتى انتهت الأشهر الحرم فأخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما.

وكان من أمر خبيب أنه وهو محبوس في دار لبني الحارث قد استعار من جارية لهم «موسى» «٢» ليستحدّ بها لما دنا قتله، فأعارته إياه، وغفلت عن غلام لسادتها درج حتى أتى خبيبا فوضعه على فخده، فلما رأت هذا المنظر فزعت فزعة شديدة وقالت في نفسها: أصاب- والله- الرجل ثأره بقتل هذا الغلام، فأدرك خبيب ما حدّثت به نفسها فقال لها: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله!!

وكانت الجارية تحدّث بعد أن أسلمت فتقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، ولقد رأيته يأكل من قطف من عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله!!

ولما خرجوا به إلى الحلّ ليقتلوه قال: دعوني أصلّ ركعتين. فكان أول من سن الركعتين عند القتل، ثم انصرف إليهم وقال: لولا أن تروا أنّ ما بي «٣» جزع من الموت لزدت، ولما رفعوه على الخشبة وأوثقوه ليقتلوه صبرا قال: اللهمّ إنّا قد بلّغنا رسالة رسولك، فبلّغه الغداة ما يفعل بنا، اللهمّ أحصهم عددا واقتلهم بددا «٤» ، ولا تبق منهم أحدا.


(١) بضم الخاء وفتح الباء وسكون الياء مصغّرا.
(٢) الموسى: هو الالة الحادة المعروفة، استعارها ليحلق بها شعر عانته.
(٣) ما: موصولة.
(٤) بددا: متفرقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>