للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم المسلمون: والله ما إياكم أردنا وإنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأبوا عليهم، فقاتلوهم حتى قتلوا عن اخرهم، إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق، فارتثّ «١» من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا، وإلا عمرو بن أمية الضمري، والمنذر بن محمد بن عقبة، فقد كانا في سرح القوم «٢» فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم حول العسكر. فقالا: والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال المنذر لعمرو: ما ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر، فقال المنذر بن محمد: لكني لا أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لأخبر عنه الرجال!!

وقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه شهيد البطولة والوفاء، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل بعد أن جزّ ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت عن أمة فيما زعم، فخرج عمرو قاصدا المدينة، فلقي رجلين من بني عامر، وكان معهما عهد من الرسول وهو لا يعلم، فأمهلهما حتى ناما فقتلهما، وهو يرى أنه أصاب بهذا ثأرا من بني عامر، فلما قدم عمرو وأخبر الرسول بقصتهما قال: «لقد قتلت قتيلين لأدينّهما» .

ثم قال: «هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا» ، فبلغ ذلك أبا براء، فشق عليه إخفار ابن أخيه عامر إياه، فذهب ابنه ربيعة إلى عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح انتقاما منه على فعلته النكراء، فجرح ولكنه لم يمت، ثم وفد على النبي بعد قاصدا الغدر به فمنعه الله منه، وقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اكفني عامرا» ، فأصابه الله بغدّة «٣» في بيت امرأة من بني سلول، فكان يقول: غدّة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية، ثم ركب فرسه، فمات على ظهره بالعراء، تطعم منه الطيور والسباع.


(١) أي رفع من بين القتلى وبه بقية حياة.
(٢) حيث ترعى إبلهم ودوابهم.
(٣) نوع من الطاعون يصيب الإبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>