للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغرائزها في المحل الذي لا يطاول، وهو يعلم يقينا أن الابن في مأساة نفسية وعاطفية تغلّب عليها بقوة إيمانه، وسمو نفسه، وحبّه لله ولرسوله!!.

لقد ضرب الابن أروع مثل الإيمان والتضحية بعاطفة الأبوة، فليضرب النبي الإنسان ذو القلب الكبير والخلق العظيم أروع المثل في العفو والرحمة وحسن الصحبة، فيقول: «بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا» !!.

يا لروعة العفو، ويا لجلال العظمة الإنسانية!!.

ويسمو الإيمان ثم يسمو، فلا يرضى الابن المؤمن الصادق من الأب بالاعتذار أو إنكار ما قال، بل يقف لأبيه وهم ايبون عند مدخل المدينة، وبيده سيفه قائلا له: قف، فو الله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله في ذلك، فلما أذن له تركه يدخل وقد أشاح عنه بوجهه.

[اثار هذه السياسة النبوية الحكيمة]

وقد كان لتسامح الرسول مع رأس المنافقين أبعد الاثار فيما بعد، فقد كان ابن أبيّ كلما أحدث حدثا، كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنّفونه، ويعرضون قتله على النبي، والرسول يأبى ويصفح، فأراد رسول الله أن يكشف لسيف الحق عن اثار سياسته الحكيمة، فقال: «كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي لأرعدت له انف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته!!» فقال عمر:

قد- والله- علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري!!.

[احتيال وغدر]

وقدم من مكة مقيس بن صبابة، فقال: يا رسول الله جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخي الذي قتل خطأ، فأمر له الرسول بدية أخيه هشام، فأقام بالمدينة غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا، ولهذا كان مقيس من الذين أهدر النبي دماءهم يوم الفتح، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>