للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأرسل أبو سفيان بن حرب يعرض دية جثته مائة من الإبل، فرفض عليه الصلاة والسلام ذلك وقال: «خذوه فإنه خبيث، خبيث الدية، نحن لا نأكل ثمن الموتى» !!

ورمي سعد بن معاذ يومئذ بسهم فقطع أكحله «١» ، وكان جرحه سببا في وفاته كما ستعلم، واستمرت المناوشة والمراماة بالنبال يوما كاملا، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق حراسا حتى لا يقتحمه المشركون بالليل، وكان يحرس بنفسه ثلمة فيه مع شدة البرد.

[محاولة لتفريق الأحزاب]

ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخذّل بين الأحزاب ويفرق جمعهم، فبعث إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف المرّي- وهما قائدا غطفان- وساومهما على أن يأخذا ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما، فقبلا، ولكن الرسول ما كان ليبرم أمرا لم ينزل فيه وحي حتى يستشير أصحابه.

فأرسل إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك، فقالا:

يا رسول الله أمرا نحبه فنصنعه؟ أم شيئا أمرك الله به لابدّ لنا من العمل به؟ أم شيئا تصنعه لنا؟ فقال: «بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحد، وكالبوكم- اجتمعوا عليكم- من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما» ، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟!!.

والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنت وذاك» .


(١) عرق في الذراع.

<<  <  ج: ص:  >  >>