للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ فلا تثبت ولا تستقر على حال من شدة الخوف وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ لما كان من شأن الخائف المذعور أن تنتفخ رئتاه فتضغطان على القلب فيرتفع قليلا، كنّى بذلك عن شدة الخوف وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا الحسنة من جانب المؤمنين، وهي أن الله ناصر رسوله مهما اشتد البلاء والجهد، والسيئة من جانب المنافقين وضعفاء الإيمان الذين زعموا أن الله خاذل رسوله ودينه.

هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً تصوير بالغ في الإعجاز لما اعتراهم من الضيق والانحصار بين عدوين لدودين: الأحزاب واليهود.

ثم قصّ الله سبحانه ما قاله المنافقون وضعفاء الإيمان فقال: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً باطلا وزخرفا من القول، ويمثل هؤلاء من قال: إن محمدا يعدنا ملك كسرى وقيصر، ولا يقدر الواحد منا أن يذهب إلى الغائط، وهناك طائفة أخرى وهم عبد الله بن أبي وأصحابه حرّضت على الرجوع إلى المدينة متعلّلين بالتعلّات الباطلة، وهم المعنيون بقوله سبحانه: وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا يثرب هي المدينة وكانت تعرف بهذا في الجاهلية، سماها النبي (طابة) و (طيبة) ، وهناك طائفة ثالثة اعتذرت بالأعذار الواهية وهم المرادون بقوله سبحانه: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ، يَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني مكشوفة للعدو والسرّاق غير محصنة، وهم قوم من بني حارثة ويمثلهم أوس بن قيظي، وقيل هم قوم من بني حارثة وبني سلمة، وقد أكذبهم الله في هذا فقال:

وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ، إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً.

ثم بيّن سبحانه أن القائلين ذلك قوم جبناء لا ينتصرون لدين ولا حق ولا فضيلة، ولا تهمهم إلا أنفسهم، فقال سبحانه: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ


- ولم يبق معه إلا ثلاثمائة فقال: «اذهب وأتني بخبر القوم» ودعا لي، فأذهب الله عني القر والفزع، فدخلت عسكرهم، فإذا الريح فيه لا تجاوزه شبرا، فلما رجعت رأيت فوارس في طريقي فقالوا: أخبر صاحبك أن الله عز وجل كفاه اليوم) . فتح الباري ج ٧ ص ٤٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>