للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هاد بالطرق خرّيت، ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأعطاه راحلة ونفقة وأوصاه أن يخفي أمره، فخرج الرجل حتى وصل المدينة، فسأل عن النبي حتى انتهى إليه وهو في جماعة من أصحابه، فلما راه قال: «إنّ هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد» فوقف فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال النبي: «أنا» فذهب ينحني على رسول الله كأنه يسر إليه شيئا، فجبذه أسيد بن حضير وقال:

تنحّ عن النبي، وجذب بداخل إزاره فإذا الخنجر، فقال: يا رسول الله هذا غادر، فأسقط في يد الأعرابي وقال: دمي، دمي، وأخذ أسيد بن حضير بتلابيبه، فقال له النبي: «اصدقني ما أنت وما أقدمك؟ فإن صدقتني نفعك الصدق، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به» فقال الأعرابي فأنا امن؟

قال: «وأنت امن» فأخبر النبي بخبر أبي سفيان وما جعل له.

فحبس عند أسيد بن حضير، ثم دعا به من الغد فقال: «قد أمنتك فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك؟» قال: وما هو؟ فقال النبي: «أن تشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله» فأسلم الرجل وقال: يا محمد ما كنت لأفرق من الرجال، فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت، ثم أطلعت على ما هممت به، وما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان!! فجعل النبي يبتسم.

وأقام الرجل أياما، ثم استأذن وخرج، ثم أراد النبي أن يجازي أبا سفيان بما صنع، فقال لعمرو بن أمية الضمري- وكان شجاعا فاتكا في الجاهلية- ولسلمة بن أسلم بن حريش: «اخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب، فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه» فخرجا حتى أتيا مكة، وطافا بالبيت وصلّيا ركعتين، ففطن أهل مكة لعمرو وقالوا: ما جاء عمرو إلا بشر وهمّوا بقتلهما، ففرا حتى قدما المدينة ولم يقضيا مما أرادا وطرا، وهكذا أراد رسول الله أمرا، وأراد الله أمرا، وكان ما أراد الله، فقد نجّى أبا سفيان حتى أسلم ليلة الفتح، وتشرّب بهذا الدين الحنيف، وصار من أنصاره بعد أن كان من أعدى أعدائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>