للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: من هذا يا محمد!: قال: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» ، فقال: أي غدر، وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس «١» !!.

فكلمه رسول الله بنحو ما كلم به من سبقه وأنه ما جاء يريد حربا، وكان عروة يرمق أصحاب رسول الله ويتعرف أحوالهم، فرأى أمرا عجيبا: رأى رسول الله لا يتنخّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده!! وإذا أمرهم ابتدروا أمره: أيهم ينفذه أولا!! وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه!! وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيما له!!.

فرجع عروة إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه، لقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فإني لكم ناصح، فقالت قريش: لا تتكلم بهذا، ولكن نرده عامنا هذا ويرجع من قابل.

[رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم]

وقد رأى رسول الله حرصا على حرمة البيت، وإيثارا للسلام على الحرب أن يرسل رسلا إلى قريش بمكة، لاحتمال ألايكون عند رسل قريش من الشجاعة ما يحملهم على المصارحة بالحقيقة. فأرسل خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش، حمله على بعير له ليبلّغ أشرافهم ما جاء الرسول إليه، لكنهم استبد بهم الحمق والغضب، فعقروا به البعير، وأرادوا قتله، لولا أن منعتهم الأحابيش أحلافهم، فخلّوا سبيله.

[سفارة عثمان بن عفان رضي الله عنه]

ثم دعا رسول الله عمر بن الخطاب ليكون رسولا إلى أهل مكة، فقال:

يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي من


(١) كان المغيرة قد قتل الجماعة في الجاهلية، فتحمل ديتهم عمه عروة هذا، فلهذا استنكر معاملته له، ولكنه الإيمان يسمو بصاحبه عن الأهل والولد والمال!! وغدر- بضم الغين وفتح الدال- كثير الغدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>