للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون نزل فيّ قران، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّمت عليه، فقال: «لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس» ثم قرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.

ورواه أيضا الإمام أحمد الترمذي والنسائي والطبراني، وقد بيّنات رواية الطبراني ورواية أخرى لأحمد أن نزولها كان مرجعه من الحديبية، وهو المراد بالسفر المذكور، وقد اختلف في مكان نزولها، فقيل: بالجحفة، وقيل: بكراع الغميم، وقيل بضجنان، والأماكن الثلاثة متقاربة «١» . وهذا يدل على أن هذه السورة نزلت بعد صلح الحديبية لا بعد فتح مكة، كما يزعم بعض الناس.

[صلح الحديبية فتح مبين]

وقد بيّنات هذه الرواية الصحيحة وغيرها أن المراد بالفتح في مفتتح السورة هو صلح الحديبية وما جرى فيها من البيعة، وقد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمّع بن حارثة قال:

وشهدنا الحديبية، فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم، وقد جمع الناس يقرأ عليهم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، فقال رجل:

يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: «أي والذي نفسي بيده إنه لفتح» . كما ورد ذلك صريحا عن بعض الصحابة، روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قال: الحديبية. وروى بسنده عن البراء بن عازب قال:

تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، يعني الفتح في قوله: إِنَّا فَتَحْنا ... «٢» .

وما أحسن ما ورد عن الصدّيق رضي الله عنه في هذا قال: (ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية، ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، والله لا يعجل لعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد) .


(١) تفسير ابن كثير والبغوي ج ٧ ص ١٥٨ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٧٣.
(٢) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>