للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوفد حاطب على المقوقس وكان بمدينة الإسكندرية، فناوله الكتاب، فقبّله وأكرم حاطبا وأحسن نزله.

ثم بعث إلى وفد جمع بطارقته، وقال: إني سائلك عن كلام، فأحب أن تفهم عني، قال: قلت هلمّ، قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت:

بلى، هو رسول الله، قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟! قال: فقلت: عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى، قلت: فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حيث رفعه الله إلى السماء الدنيا؟!.

فسر منه وقال له: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم «١» ، ثم قال إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدت أنه لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، وسأنظر، ثم كتب ردّ الخطاب، فقال فيه:

(لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وكنت أظنه بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان عظيم في القبط، وبثياب، وأهديت إليك بغلة تركبها والسلام) .

وإحدى الجاريتين مارية التي تسرّاها رسول الله وولدت له إبراهيم، والاخرى أعطاها حسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان وقيل أربع جوار، ومما أهدي غلام خصي اسمه «مابور» وحمار أسمي عفيرا أو يعفور، وقد أسمى النبي البغلة دلدلا، وكانت فريدة ببياضها بين البغال التي عرفتها بلاد العرب.

وخطاب المقوقس هذا يدل على إكباره لرسول الله كما يدل على أنه لم يسلم، ولم يبعد، والذي يبدو أن الرجل خاف على ملكه، ولولا هذا لامن ونال حظه من الإسلام.


(١) البداية والنهاية، ج ٤ ص ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>