للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما أرادوا وصاروا متحيرين لا يدرون ما يفعلون، وبينما هم في حيرتهم وترددهم جاءهم رسل أهل النفاق ابن أبي وأتباعه أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم: إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فقويت عند ذلك نفوسهم، وحمي حيي بن أخطب، وبعثوا إلى رسول الله أنهم لا يخرجون، ونابذوه بنقض العهود وفي ذلك نزل قول الله تعالى:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ. لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ «١» .

[حصار بني النضير]

وأمر رسول الله بالتهيؤ لحربهم وقتالهم، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة حتى نزل بدارهم، فحاصرهم ست ليال، وقيل: خمس عشرة ليلة، وقاتلوهم، ثم أمر رسول الله بقطع نخيلهم وتحريقها ليكون ذلك أدعى إلى تسليمهم، فقطعت، ففزعوا وجزعوا ونادوا: يا محمد، كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها؟! ولم يكن هذا إفسادا إنما هو وسيلة لنشر السلام والأمان والتقليل من إراقة الدماء، وكان بأمر الله وإذنه.

وعبثا انتظر اليهود نصر ابن أبيّ وجماعته، وخذلهم كما خذل بني قينقاع من قبل، وكان مثله ومثلهم كما قال الله:

كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ


(١) سورة الحشر: الايات ١١- ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>