للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلاها من كداء بين يديه أبو عبيدة بن الجراح في فرقة من الجيش، دخلها وهو راكب ناقته ومطأطىء رأسه حتى إن شعر لحيته ليمس واسطة رحله تواضعا لله وشكرا، ومعظما له ومكبّرا، حين رأى ما أكرمه الله من الفتح، وقد أردف وراءه أسامة بن زيد، فلما بلغ الحجون «١» أمر أن تركز رايته هناك وأن تضرب له قبة، فضربت فاستراح بها هو وزوجتاه ميمونة وأم سلمة، فقال له أسامة بن زيد: أين تنزل غدا يا رسول الله؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور» ؟ وفي رواية أخرى: «منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» «٢» رواهما البخاري.

ودخلت الجيوش مكة ولم يلق منها مقاومة تذكر إلا جيش خالد بن الوليد فقد كان يقيم في أسفل مكة أشد قريش عداوة للرسول، ومن اشتركوا مع بني بكر في نقض عهد الحديبية، هؤلاء لم يرضهم أن يستسلموا من غير إراقة دماء، ولم يعتدّوا بما منحوا من أمان فأعدوا عدتهم للقتال، ومن هؤلاء: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وحماس بن قيس، فلما دخل جيش خالد أمطروه بنبالهم، ولكن خالدا لم يلبث أن فرقهم، ولم يقتل من رجاله إلا اثنان ضلّا طريقهما، أما قريش ففقدت ثلاثة عشر رجلا في رواية، وأربعة وعشرين في رواية أخرى، ولم يلبث صفوان وعكرمة وسهيل أن ولّوا الأدبار منهزمين.

وكان حماس بن قيس يعد سلاحا قبل مقدم جيش المسلمين، فقالت له امرأته: لماذا تعدّ ما أرى؟ فقال: لمحمد وأصحابه، فقالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء، فقال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، فلما شهد


(١) مكان بأعلى مكة بالقرب من مقبرتها، و (كداء) بفتح الكاف كسحاب جبل بأعلى مكة، و (كدى) بالضم والقصر جبل بأسفل مكة.
(٢) يعني لما تحالفت قريش ألايبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يؤوهم وحصروهم في الشعب وقد اختار النبي ذلك المكان ليتذكروا ما أصابهم من بلاء، فيشكروا الله على ما أنعم عليهم من الفتح العظيم ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا، ومقابلتهم بالعفو والإحسان، وقد كان الخيف وجاه الشعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>