للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قلت:

نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» قلت:

يا رسول الله، نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة وساعة» «١» .

وحين أنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات: ٢] ، تحرّج بعض الصحابة في حالهم، خوفا من أن يكونوا مشمولين بذلك. كان منهم أبو بكر وعمر «٢» .


(١) سبق ذكره أعلاه، ص ٩٧- ٩٩. أخرجه مسلم: كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر، رقم (٢٧٥٠) . والترمذي: كتاب صفة القيامة، باب (٥٩) ، رقم (٢٥١٤) . وانظر كذلك: أسد الغابة، (٢/ ٦٥) ، رقم (١٢٨٠) . الاستيعاب، (١/ ٣٧٩) ، رقم (٥٤٨) . حياة الصحابة، (٣/ ٥٠) ، (٣٢٠) . الوافي بالوفيات، (١٣/ ٢٠٩) . ومثله ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه. حياة الصحابة، (٣/ ٣٢٠) . حتى كأنا رأي عين (بالرفع) : كأنا بحال من يراها بعينه، (وبالنصب) : نراها رأي عين. عافسنا: عالجنا أمورنا واشتغلنا بمعاشنا وتابعنا أعمالنا. والضيعات: جمع ضيعة، وهي المعاش من مال أو حرفة أو صناعة. وكان حنظلة معتزلا الفتنة حتى مات سنة (٥٠ هـ) ولما توفي حنظلة جزعت عليه امرأته فنهاها جاراتها وقلن لها: إن هذا يحبط أجرك، فقالت:
تعجبت دعد لمحزونة ... تبكي على ذي شيبة شاحب
إن تسأليني اليوم ما شفني ... أخبرك قولا ليس بالكاذب
إنّ سواد العين أودى به ... حزن على حنظلة الكاتب
وهذا يعبر عن مدى حب هذه المرأة المسلمة لزوجها وحسن العلاقة بينهما وعمق المحبة التي قامت في بيت بني على تقوى الله تعالى ومنهجه وطاعته.
(٢) البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الحجرات، رقم (٤٥٦٤) .

<<  <   >  >>