للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي الخندق كان الصحابة رضوان الله عليهم- مهاجرين وأنصارا- يحفرون الخندق (شوال السنة الخامسة للهجرة) حول المدينة المنورة وينقلون التراب على متونهم، في غداة باردة، فرأى صلّى الله عليه وسلّم ما بهم من النّصب والجوع والبرد، قال: «اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة» «١» ، فقالوا مجيبين له مرتجزين مرددين:

نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا

كانوا يقومون بكل ذلك وهم مجهدون. وكان مأكلهم بشعا ومنتنا والقوم جياع، مرت ثلاثة أيام لم يذوقوا ذواقا. ورأى الصحابة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم خمصا شديدا، وهو ينقل من تراب الخندق، وكان عمره المبارك نحو ثمان وخمسين سنة، والغبار يلفّه حتى أتمه. فأقبلت العرب بقيادة قريش في عشرة آلاف.

والمسلمون لا يتجاوزوا الثلاثة آلاف. ونصر الله النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن معه. فكان عليه الصلاة والسلام يقول، ويهتف: «لا إله إلّا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعزّ جنده وغلب (وهزم) الأحزاب وحده فلا شيء بعده» «٢» .

في هذا الجو الرعيب الرهيب الكئيب، المحاط بالبرد والجوع والخوف، كان الصحابة أقوياء، يعملون في تلك الظروف، ونصرهم الله على عدوهم. وفي كل ذلك كان صلّى الله عليه وسلّم أكثرهم عملا وتحملا وإقداما. فهو


يجثو بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحرب ويقول: نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء، ثم ينثر كنانته بين يديه. وكان جهير الصوت (صيّتا) . وفي الحديث: «لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل» . وكان ردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم خيبر. وعاش بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسرد الصوم حتى وفاته بالشام وهو ابن سبعين سنة. وإنه ركب البحر غازيا فمات شهيدا رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين. سبق الحديث عن أبي طلحة مع ذكر المصادر. انظر: أعلاه، ص ٢٠٦- ٢٠٧.
(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، وهي الأحزاب، أرقام (٣٨٧١ ٣٨٧٤) . كذلك: البخاري، أرقام (٣٨٧٨- ٣٨٨٠) . وفي رواية يرد (الإسلام) :
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الإسلام ما بقينا أبدا
(٢) البخاري، رقم (٣٨٨٨) . انظر: أدناه، ص ٣٧١.

<<  <   >  >>