للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعله بسيرته- المفقودة أكثرها- يعتبر من أول المؤلفين في السيرة النبوية الشريفة في الإسلام، يقول: (في علم السيرة علم الدنيا والآخرة) «١» ، جعلها علما قائما بذاته.

وهكذا هذه الكلمات كانت تعبيرا عن حقائق قائمة، ورثت تنفيذها وتطبيقها الأجيال التالية التي جعلت مكتبة السيرة النبوية عامرة مثل مكتبة السنة المطهرة، وكلاهما يتعانقان ويتداخلان. لقد كان هذا الاهتمام بالغا وشاملا ومتواصلا لأنه عبادة وللعبادة، ولمعرفة الإسلام كافة، بتطبيقاته العملية في الحياة بكل ميادينها وأمورها ومراميها.

فالصحابة مثلما لم تتغير مستوياتهم بل تأكدت وتثبتت واجتهدت، يتبعه ونبع منه أنه لم يتغير تحريهم وتعلقهم ونوعيتهم وآفاقهم.

وانظر ما فعله عقبة بن عامر الجهني «٢» (٥٨ هـ ٦٧٨ م) الذي رحل من المدينة المنورة إلى مصر ليتحقق من أحدهم حديثا عنده من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأتى واليها مسلمة «٣» . فلما دعاه للراحة، قال لمسلمة: إني لم آتك زائرا، جئتك لحاجة، أتذكر يوم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم (سمعته أنا وأنت) : «من علم


(١) انظر: البداية والنهاية، (٣/ ٢٤٣) . السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، (١/ ٨) .
(٢) عن عقبة بن عامر الجهني، انظر: الإصابة، (٢/ ٤٨٩) ، رقم (٥٦٠١) . أسد الغابة، (٤/ ٥٣) . رقم (٣٧٠٥) . سير أعلام النبلاء، (٢/ ٤٦٧) . وهو من مشاهير الصحابة، وكان رديف النبي صلّى الله عليه وسلم. ولي مصر (٤٤- ٤٧ هـ) ، وولي غزو البحر، وكان عالما مقرئا فصيحا شجاعا فقيها فرضيا راميا كاتبا شاعرا كبير الشأن. وهو أحد من جمع القرآن الكريم. روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين كثيرين.
(٣) وهو الصحابي الجليل مسلمة بن مخلّد (٦٢ هـ ٦٨٣ م) . تولى إمارة مصر سنة (٤٧ هـ) إلى وفاته (وهو أول من جعل بنيان المنار في المساجد سنة ثلاث وخمسين) . المنار: أي التي هي محل التأذين في المنائر. عنه انظر: الاستيعاب، (٣/ ١٣٩٧) ، رقم (٢٤٠٣) . أسد الغابة، (٥/ ١٧٤) ، رقم (٤٩١٧) . سير أعلام النبلاء، (٣/ ٤٢٤) .

<<  <   >  >>