للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صبغة صدق، إذ قد أعلن ألوهيته أو كاد، وأطاعه الناس الذين أضلّهم، مثلما فعل ويفعل أمثاله. وقد حكى الله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد عن فرعون مثل ذلك، فقال عز من قائل: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ [الزخرف: ٥٤] .

فكتب في الحال إلى ملك اليمن باذان، عامله هناك، أن يرسل إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم من يأتيه به أسيرا مقيدا. فأطاعه باذان، وأرسل هذا في الحال وزيره مع أخيه إلى المدينة المنورة؛ ليقودا- في زعمهم- رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيما يحضره أمام كسرى ليحاسبه ويعاقبه، في زعمه!!!

وكذلك الطغاة الذين أحلّوا أنفسهم في العباد مقام الألوهية والاستبداد، وجعلوا رغباتهم وأهواءهم وأوامرهم بديل مقام شريعة الله، واستلبوا حق الحاكمية في أرض الله؛ التي لا تكون إلا لله رب العالمين، فاعتدوا على سلطان الله، وتحكّموا في رقاب خلقه. ولقد قصّ الله سبحانه وتعالى علينا من ذلك في القرآن الكريم أكثر من مثال، والأمثلة كثيرة ووفيرة جدا.

كان النصر في تلك المواجهات لجند الله، فالله تعالى لا يتخلى عن جنده، وهو معهم يرعاهم بعنايته ونصره، بعد ما أخذوا بشرعه وأمره.

ولما وصل رسولا باذان إلى المدينة المنورة طلب إليهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يمكثا فيها يوما أو أكثر، وهكذا كأني برسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل ذلك ليبلّغهم دعوة الله، ويدعوهم إلى رسالته السامية الخالدة، ويعلمهم إياها، يرونها خلقا وسلوكا، مثلما يسمعونها كلمات تنفرج عنها الشفاه.

ثم أخبرهما صلّى الله عليه وسلّم بمعجزة، وربما في نفس اللحظة التي تمّت فيها تلك الحادثة أو قريبا منها، فأخبرهما صلّى الله عليه وسلّم بأنه في هذه الليلة- وكانت ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الآخرة من السنة السابعة للهجرة، بعد غروب الشمس بست ساعات «١» - قتل كسرى أبرويز بيد ابنه شيرويه (قباز) ، فدهشا


(١) السيرة النبوية، ابن كثير (٣/ ٥١٠) . السيرة النبوية، الندوي (٢٥٦- ٢٥٧) . السيرة

<<  <   >  >>