للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن التربية على العيش مع القرآن الكريم ومع سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولو بدون حفظ النصوص- رغم أهميتها، وهي على العاشق سهلة ميسورة، يندفع لها- تجعل المسلم في حرز حصين، أمينا في السير على الدرب الأمين.

ولكم نزلت نكبات بالأمة المسلمة: أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، وا أسفاه على أمة محمد، وكم وجدنا من يلوّح لها رافعا غير كتاب الله، فيا حوبتاه! فجاءتها وفاجأتها وفجعتها المصائب والهزائم والمناكر، فيا ضيعتاه!

نكبات: كان الأمر سيكون أشد وأبعد وأنكد لولا أن الله تعالى لطف في ظاهرة هذا القرن الثانية، وهو وعده الكريم، أن يقيّض لهذا الدين- في أرجاء العالم الإسلامي الوسيع- دعاة افتدوه بكل ما يملكون، استمدوا كيانهم من الإسلام، وحياتهم من حياته، وصدروا عن منبعه، ووردوا مشربه، على طريق أولئك الصحب الكرام؛ الذين كانت كل حياتهم جهادا مضيئا على الدوام.

وبذلك كانت الهجرة وكافة الأمجاد، كانوا في كل سعيهم ومعاركهم يتجهون إلى الله، ويعملون لرضاه، ويشتاقون إلى جنته والاستظلال بظله حبا فيه، مع ما هيأ الله في تلك الجنة- للمؤمنين بدعوته- من متع ونعم، هي لهم متاحة مباحة، جزاء وثوابا. كلهم سعوا إلى رضا الله، ونعمة النظر إلى وجهه الكريم وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢- ٢٣] .

فلقد اشتاقوا إلى الجنة، لا إلى أطيارها وأزهارها ولا إلى أنهارها وثمارها فحسب، بل قبل ذلك اشتاقوا أكثر وأكثر إلى رضا الله، في دار المقامة عنده، وصحبة النبي صلّى الله عليه وسلّم وصحبه: ركضا إلى الله بغير زاد، غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ «١» [آل عمران: ١٤٨] .

لم يأت دين الله إلا ليستمر هذا الموكب الفاضل المنير، برعاية الأنبياء


(١) التفسير (١/ ٤٨٩) .

<<  <   >  >>