للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأخلاق، ألّا تجد قريش أكثر أمانة وصدقا وثقة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تضع عنده أماناتهم، وهم يقاتلونه ويحاربون دينه والمؤمنين به، ويحضّرون لقتله، ويعدّون لإبادة دينه، ولا يخشون على أماناتهم وهي عنده؟! إنه حقا لأمر فريد، جدّ فريد وجديد.

إنه لأمر عجيب من الناحيتين: من ناحية الكفار، أنهم يفعلون ذلك، ولا يجد هذا الصدق والتفرد في الفضائل التي كانت بدعوة الله، فلا يفتحون لها القلوب، ومن أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يراهم كذلك، ويؤدي لهم أماناتهم، وهذه أكبرهما وأعجبهما، ومن أجله استأمنوه، وإلى هذا الحد.

[* هذه أخلاق القرآن:]

فتلك أخلاق القرآن، وهو أمر لا يمكن أن نجده في غيره، وشتان بين هذه وتلك: الإيمان والكفر. وهذا فيه دليل على أمر آخر مهم، هو أن قريشا كلها- أو أكثر منها، ومنهم أولئك الذين كانوا يحاربونه- كانوا متأكدين من صدقه في الحياة، ومن صدق نبوته، ومع ذلك فلا يؤمنون به، فهم الذين أطلقوا عليه قبل النبوة (الصادق الأمين) ، وهو حجّة عليهم.

وحين سأل أحدهم أبا جهل: أمحمد صادق أم كاذب؟ قال له: ويحك إن محمدا لا يكذب قط «١» . ثم هم لا يؤمنون قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: ٣٣] .

[* تعدد دروب النفس:]

ويأتي من ذلك شيء: هو أن القناعة العقلية وحدها لا تكفي دائما لقبول الحق والخير، وإذا كفت فكفايتها باردة أو هامدة؛ لأن الإنسان متعدد


(١) تفسير الطبري (٧/ ١٨٢) (الجديدة، ١١/ ٣٣٣) . (٢/ ١٠٧٥) . خلال تفسير الآية الكريمة: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: ٣٣] .

<<  <   >  >>