للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دوما- يلجؤون إلى كل الوسائل، دون النظر إلى صلتها بمثل أو قانون أو عرف، حتى تلك التي وضعوها، أو ادّعوا التعامل معها. وهكذا دينهم وديدنهم، في كل الأمور، لا ترتبط بشيء غير مصلحتهم. وكلما يدّعون، أو يضعون من قوانين إنما هي لحماية هذه المصلحة، ويوم تعوّقها يدوسونها، ومع كل ذلك إذا فشلوا في شيء لمصلحتهم اتبعوا سبيل القتل والإبادة، لا يصدّهم عن ذلك وأكثر منه شيء.

وهكذا فعلت قريش، ودبّرت له، رغم أنهم يتعاملون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم المعروف لديهم، وهو يدعوهم إلى الله، ودعوته الحقة الخيرة، يفعلون ذلك ظنا أنهم يقضون على هذه الدعوة المباركة، وهيهات!

تقع المدينة المنورة بما يزيد على (٤٥٠) كم شمال مكة المكرمة، لكن الركب الميمون- ركب الإنسانية، الذي يضمّ أو يحمل مستقبلها، كما أراد الله الكريم الرحيم لها- اتجه نحو الجنوب، حيث وصل غار ثور- بعد خمس كيلومترات من المسير- في الليل من يوم الخميس. فدخلا ذلك الغار في أعلى الجبل، والطريق إليه وعر شديد. وبعد ثلاثة أيام- قضوها في انتظار أن يخف الطلب، وفي إعداد للزاد والأخبار رائع جميل- بدأ الركب الميمون السير الحثيث- بدليل مكيث- ليلة الإثنين «١» متّجها نحو المدينة المنورة، في رحلة مباركة تحمل هداية الإنسانية، التي أرادها الله سبحانه وتعالى.

حاز آل أبي بكر عظيم الشرف في الهجرة، إلى ما حازوه من قبل ومن بعد، فعائشة وأسماء ذات النّطاقين تكفّلتا بالطعام، وعبد الله الشاب الثّقف اللّقن (الحاذق اللّماع الفطن) «٢» ينقل أخبار قريش، ويبيت عند الغار ليصبح في مكة وكأنه نائم فيها، وراع يتولّى السير خلفه كيلا يعرف له


(١) انظر: المسند (١/ ٢٧٧) (جديدة رقم ٢٥٠٦/ ٤) . سبل الهدى (٣/ ٣٦٠، ٣٧٧) .
(٢) أخرجه البخاري: كتاب: فضائل الصحابة، باب: هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، رقم (٣٦٩٢- ٣٦٩٤) . سيرة ابن هشام (١/ ٤٨٦) .

<<  <   >  >>