للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الممكّنة، كما رأينا في الهجرة النبوية الشريفة واضحة، فالنصر إذا لا يدور مع القلّة والكثرة، كما هو مشاهد في السّيرة الشريفة وعموم التاريخ الإسلامي. وحتى الكثرة تأتي بهذا البناء، فتغني نعم الغناء. وكذلك كانت الهجرة، تمت في ظروف صعبة، وإمكانيات قليلة، في خضم متلاطم من الأعداء والأهواء والأهوال، وهكذا كانت وجرت كلّ أمور الإسلام.

إنّها القوة الإيمانية الربانية التي تقود إلى الانطلاق بهذا الدّين، حرصا والتزاما حبا وطاعة لله تعالى. يلازمها تحرّي منهج الله والسعي لرضاه، وصورة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قدوة ماثلة. وبذلك لا يهمّ المسلم ما يلقاه من أجل نصرة هذا الدّين. وكل المشكلات، وكل الطغاة لا ينالون من الدّعاة شيئا.

هؤلاء الدّعاة الذين رسموا صورة الإسلام بسلوكهم، وأقاموا الحياة بجهادهم، فالله تعالى مانعهم من كلّ الأذى، إلا ما يجريه- سبحانه وتعالى عزّه- حسب إرادته وحكمته. وهي سنّة الله الذي منع أنبياءه وحفظهم عليهم السلام- وسيدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ الذي يقول مخاطبا ابنته فاطمة يوم اشتدّ عليه الأذى في مكة: «فإن الله مانع أباك» «١» .

وبهذه الرّوح انطلقوا في الحياة على بيعتهم يوفونها، وهم بها فرحون وينشدون:

نحن الذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا «٢»

لا بدّ أن يعود الإسلام ليقود ويسود، ولكن لله تعالى سننا، فلا بدّ من جند أمناء أقوياء أوفياء، ينصرونه ويحملونه ويفتدونه، والتباشير بادية إن شاء الله تعالى.

وإن الغرب الذي غزا العالم الإسلامي بعسكره وفكره، بخيله ورجله، صحا أو غدا على صليبيته ووحشيته، انهزم مرتين في البلاد، بكل


(١) انظر: سيرة الذهبي (٢٣٥) . البداية والنهاية (٣/ ١٣٤) حياة الصحابة (١/ ٢٦٦) .
(٢) سبق ذكره، انظر: أعلاه، ص ٣٤٨.

<<  <   >  >>