للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدعاة إلى الله يهون عليهم كل ما يلقون، فهم يعرفون الطريق ويعرفون نحيزة الطغيان وديدن الطغاة. فدور الهجرة ومعناها ومقتضاها وطريقها ومبناها مستمر ومفتوح. رسم المسلمون، خلال التاريخ، وعلى مداره:

معانيها، وصوّروا الإسلام بسلوكهم، وأقاموا الحياة بجهادهم، فكانوا في هجرة دائمة بكل ألوانها، يلجؤون إلى الله، ويحتمون بشرعه. وإن الذي يطّلع على الإسلام لا بد أن يهاجر إليه، لا أن يهرب منه. كيف يحدث ذلك؟ ومن هنا كانت الهجرة- ولا بد أن تكون- مستمرة بألوانها الزاهية وصفحاتها الباهية، والأمر كله لله سبحانه وتعالى.

إنّ الهجرة هجرة عقيدة ونصرة؛ لنشر الإسلام، وتخليص أنفسنا وبني الإنسان من ظلمات النفس وظلام الحياة، وندعو أهل الأرض لإنقاذهم، عاملين على إبلاغه إليهم حيثما كانوا.

فلنهاجر إلى الله لنبني الحياة، ونفوز بخيري الدنيا والآخرة، وبهذه الروح تتمّ الهجرة، ويتمّ كلّ شيء في حياة المسلم، ما دامت نفسه ونيته عليه قائمة، وحياتها به دائمة، تلتحف بالبشر والسعادة.

ف «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية» «١» والهجرة إلى الله تعالى مفاصلة ومهاجرة لكل سوء وانحراف وعصيان وانجراف، وعند ذاك سيمدّ الله المؤمنين بنصره، ويؤيدهم، ويعلي شأنهم، ويرفع قدرهم، ويكتب لهم الأجر، إن شاء الله سبحانه وتعالى، وبمنّه وكرمه. وهو عزّ وجلّ الذي يقول: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: ٢١] .


(١) أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم افتتح مكة: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» . كتاب: أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب: لا يحل القتال بمكة، رقم (١٧٣٧/ ٢) . كتاب: الجهاد والسّير، باب: فضل الجهاد والسّير، رقم (٢٦٣١/ ٣) .

<<  <   >  >>