للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغرب وحضارته مهدّدة اليوم بالانهيار؛ الذي بدت نذره واضحة لكثير من زعمائه وعلمائه وعقلائه، سواء السياسيين والاجتماعيين والعلميين؛ الذين ما فتئوا يحذّرونه من ذلك، مثلما حدث لحضارات أسلافها وامبراطوريات أمثالها، مما عدّ أكبر إمبراطوريات التاريخ العتيدة وحضاراتها، كاليونانية (الإغريقية) ووريثتها الإمبراطورية الرومانية (شرقا وغربا) ثم الفارسية.

والحضارة الحالية تجري مجراها، ومهما امتلكت من إيجابيات- قد تؤجّل انهيارها- لكنها في النهاية لا تستطيع الإفلات من مصيرها المحتوم.

فهي تحمل في طياتها عوامل الانهيار والاندثار، ويوم تذهب- بإرادة الله تعالى- لا تخلّف وراءها غير سجلّات التاريخ التي دوّنت أخبارها، كما جرى لمن مضى وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [الرعد: ٦] «١» .

إن للحياة سننا ونواميس وقوانين، خلقها ويجريها الله سبحانه بإرادته، بلا تبديل ولا تحويل فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: ٤٣] وهذه السّنن الإلهية هي التي لها وحدها الحتمية.

وكم من أمم في التاريخ سادت بقوتها، وتغلبت بأجنادها، وتحكّمت بسطوتها وتسلّطها، لقرون عدة، ثم لم يبق منها غير أخبارها وآثارها، بل وربما أساطيرها، وحسبها ذلك وزيادة.

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً [فاطر: ٤٤] .

وظنّي أنّ أحد أسباب غلبة هذه الحضارات الجاهلية المعاصرة، وتوليها


(١) «المثلات» : (جمع: مثلة) : العقوبات المثكّلات، وهي العقوبة الفاضحة التي تجعل من تقع عليه مثالا يرتدع به غيره.

<<  <   >  >>