للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدفاعية، واعتبارها حربا مشروعة. إلا أنه ميز تمييزا واضحا بين المقاتلين وغير المقاتلين. فواجب الجيش المسلم الاتجاه بقوته لتحطيم مقاومة المقاتلين فعلا في ميدان القتال. أما من لم يباشر القتال بنفسه من الأعداء فليس لنا أن نقتله أو نتعرض له.

وتعاليم النبي صلّى الله عليه وسلم واضحة في هذا الشأن؛ «فالأطفال والشيوخ والنساء والمرضى والمعتوهون، بل حتى الفلاحون في حرثهم، والرهبان في معابدهم، كل أولئك معصومون بحصانة القانون من أخطار الحرب» «١» . وبلغ السموّ الإسلامي إلى درجة أن الإسلام لا يحرص على تجنيب المدنيين من الأعداء ويلات الحرب فحسب؛ بل حرص على تجنيبهم مجرد الألم النفسي. فلقد مر بلال مؤذن الرسول صلّى الله عليه وسلم بامرأتين من نساء اليهود يوم خيبر على عدد من قتلى قومهما، فتألمتا لذلك، فلما علم النبي صلّى الله عليه وسلم بما صنع بلال وبّخه على ذلك وقال له: «أنزعت منك الرحمة يا بلال حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما» «٢» .

والإسلام لا يحرص على سلامة أرواح غير المقاتلين من الأعداء فحسب، بل يوصي المقاتلين المسلمين بعدم التعرض للأهداف المدنية، وينهاهم عن التدمير والهدم والتحريق؛ لأن الإسلام جاء ليا بني الحياة ويعمرها، ولم يجيء ليهدم ويدمر. وحتى وهو في ميدان القتال لا ينسى أبدا تلك الأهداف النبيلة، وها هي ذي وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان، وهو متوجه إلى ميدان القتال: « ... إنك ستلقى أقواما زعموا أنهم قد فرغوا أنفسهم لله في الصوامع فذرهم وما فرغوا أنفسهم له ... ولا تقتلن مولودا، ولا امرأة، ولا شيخا كبيرا، ولا تعقرن شجرا بدا ثمره ولا تحرقن نخلا، ولا تقطعن كرما، ولا تذبحن بقرة ولا ما سوى ذلك من المواشي إلا لأكل» «٣» .

ومن تعليمات النبي صلّى الله عليه وسلم المتكررة، والتي أخذت صفة التواتر لقواده العسكريين، الالتزام بالنظام وحسن السلوك، وعدم اللجوء إلى أساليب السلب والنهب- التي كانت عادة الجيوش الغازية في تلك الأزمان بل في كل زمان- وعدم التمثيل بجثث القتلى، ولقد كان النبي نفسه- عليه الصلاة والسلام- مضرب المثل في الالتزام بهذه المبادئ والآداب العسكرية، وفي المسلك الإنساني في ميادين القتال. روى


(١) انظر: د. دراز- دراسات إسلامية (ص ١٤٣) ، وانظر: صحيح الإمام مسلم (١٢/ ٤٨، ٤٩) فهناك تجد عدة أحاديث نبوية تنهى عن قتل النساء والأطفال والشيوخ.. إلخ.
(٢) ابن هشام- السيرة النبوية- القسم الثاني (ص ٣٣٦) .
(٣) محمد بن الحسن الشيباني- كتاب السير الكبير (١/ ٤٣١) .

<<  <   >  >>