للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالشام «١» . ولا نستطيع في هذا البحث أن نناقش كل رسالة على حدة- بطبيعة الحال- ويكفي أن نلقي الضوء على بعض رسائل النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الملوك خارج شبه الجزيرة العربية. فهذه الرسائل تعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ ومستقبل الإسلام، ونقطة البداية في علاقات الإسلام بالعالم، وعلى أساس هذه الرسائل، وعلى ضوء ردود الفعل عنها عند من أرسلت إليهم من الملوك، تشكلت علاقات المسلمين الدولية مع الأمم الآخرى. وسوف نكتفي هنا- لضيق المكان- بذكر واحدة من هذه الرسائل، كأنموذج لها جميعا. وهي كافية لإلقاء الضوء على موضوعنا الأساسي في هذا البحث، وهو علاقات المسلمين الدولية، وسنعرف من خلال ملابسات الرسالة ونتائجها أن السلام كان هو أصل العلاقات الدولية في الإسلام. ونلفت النظر إلى أن الرسائل كلها متشابهة تقريبا في صياغتها ومضمونها والرسالة التي نقدمها هنا هي رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى هرقل- إمبراطور الروم- ونصها كما جاء في أوثق المصادر الإسلامية كالآتي: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيّين «٢» . قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «٣» . هذا هو نص رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى هرقل. وهي كما ترى دعوة سلمية إلى الإسلام من رسول الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يرد في الرسالة أي تهديد بالحرب أو استخدام القوة لإجبار الآخرين على اعتناق الإسلام، لا تصريحا ولا تلميحا؛ بل بدأت الرسالة بالسلام، ومن منطلق السلام الذي هو القاعدة الأساسية لعلاقات الإسلام بالأمم الآخرى. إلا إذا رفض الطرف الآخر السلام، وأصر على موقف عدائي. فعندئذ يصبح للإسلام موقف آخر يتناسب مع مواقف الآخرين. فماذا كان رد هرقل وغيره على رسائل النبي صلّى الله عليه وسلم؟ وما هي النتائج التي ترتبت على هذه الردود؟


(١) انظر في موضوع رسائل النبي إلى الملوك والرؤساء: ابن حجر- فتح الباري بشرح صحيح البخاري (١/ ٣٢) وما بعدها، (٨/ ١٧٢) وصحيح مسلم بشرح النووي (١٢/ ١٠٧، ١٠٨) .
(٢) الأريسيين- وجاء مكانها في بعض الروايات الأكارين أو الفلاحين- ويبدو أن المقصود بالكلمة رعايا هرقل.
(٣) راجع نص الرسالة في المصادر المذكورة آنفا.

<<  <   >  >>