للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هجمات الأساطيل البيزنطية التي كانت تسيطر سيطرة كاملة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، الذي كان يدعى بحر الروم، بدون امتلاك المسلمين قوة بحرية فإن كل الجهود التي بذلوها في فتح الشام وشواطئه قد تذهب أدراج الرياح.

[* معارضة عمر بن الخطاب لمشروع معاوية:]

اقتنع معاوية- ومعه كل الحق- بفكرته، وعرضها على الخليفة عمر بن الخطاب وشرح له أهميتها، وجسّم له الخطر البيزنطي تجسيما مخيفا، وقال له عن جزيرة قبرص بالذات- والتي كانت قاعدة بحرية بيزنطية متقدمة في مواجهة شواطئ الشام-: «يا أمير المؤمنين إن أهل حمص يسمعون نباح كلابها وصياح دجاجها» «١» .

معنى هذا أنها قريبة جدّا من شواطئنا وتستطيع الأساطيل البيزنطية أن تهاجمنا في أي وقت، وفي أسرع وقت، وتفعل بنا ما تشاء.

ولكن على الرغم من كل هذا فقد رفض عمر الفكرة رفضا قاطعا، ولم يتزحزح عن موقفه قط، وربما مما زاده إصرارا على الرفض ما جاء من عمرو بن العاص في وصف البحر، عند ما استطلع رأيه في الأمر، كما تروي مصادر التاريخ «٢» فقد جاء وصف عمرو بن العاص للبحر مخيفا ومفزعا فزاد من مخاوف عمر بن الخطاب على المسلمين من أهوال البحر وأخطاره، لذلك رد على معاوية بقوله: «والذي بعث محمدا بالحق لا أحمل فيه مسلما أبدا، وتالله لمسلم واحد أحب إليّ مما حوته الروم، فإياك أن تعرض لي وقد تقدمت إليك» «٣» .

استقر رأي عمر بن الخطاب على رفض مشروع معاوية رفضا قاطعا؛ ولا يظنّن أحد أنه لم يكن مدركا للخطر الذي كان يدركه معاوية، بل كان يحكمه حرصه الشديد على أرواح المسلمين وسلامتهم، ومسؤوليته عنهم التي تحتم عليه أن يجنبهم أهوال البحر وأخطاره، لذلك كان قوله لمعاوية: «لمسلم واحد أحب إليّ مما حوته الروم» ثم أمر آخر كان عمر مقتنعا به في قرارة نفسه؛ وهو أن العرب كانوا يومئذ يفتقرون إلى الخبرة البحرية الكافية التي تمكنهم من بناء أساطيل بحرية يستطيعون بها منازلة الأساطيل البيزنطية العتيدة ذات الخبرة البحرية الطويلة، فالوقت من وجهة نظر عمر لم يحن بعد لنزول المسلمين إلى البحر محاربين، وسيأتي- في المستقبل لا


(١) تاريخ الطبري (٤/ ٢٥٨) .
(٢) تاريخ الطبري (٤/ ٢٥٨) .
(٣) المصدر السابق (٤/ ٢٥٩) .

<<  <   >  >>