للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان يعرف أنه بدون التعاون بين الشام ومصر؛ فلن يكتب لمشروعه أن يرى النور ويصبح حقيقة واقعة، والشام ومصر آنئذ أجزاء من الدولة الإسلامية، والتعاون بينهما لن تكون أمامه عوائق. لا سيما في ظل حكم أميرين من طراز معاوية أمير الشام، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، أمير مصر، وكانت نتيجة ذلك التعاون عظيمة وباهرة، فقد نشأت قوة بحرية إسلامية هائلة، أثبتت وجودها بسرعة فائقة، وحققت انتصارات باهرة على البيزنطيين، وانتزعت منهم جزيرة قبرص (سنة ٣٣ هـ) «١» وحققت عليهم انتصارا حاسما في موقعة ذات الصواري (سنة ٣٤ هـ) . وأخذ الأسطول الإسلامي ينتزع السيادة على البحر الأبيض المتوسط من البيزنطيين، ونجح في ذلك حتى غدا ذلك البحر بحرا إسلاميّا لعدة قرون تالية.

وقصة التعاون بين الشام ومصر تؤكد الارتباط القوي بين أمن مصر وأمن الشام، فأية قوة تمتلك مصر لا تكون آمنة إذا كانت الشام في يد قوة معادية، وهذه حقيقة اكتشفها الفراعنة منذ وقت مبكر، وأول من أدركها الفرعون تحتمس الثالث عند ما طارد الحيثيين وانتصر عليهم في معركة مجدو (سنة ١٤٧٩ م) ، فإنه رفع العلم المصري عند شط الفرات في أقصى شمال شرق الشام، وقال هذه حدود مصر الشرقية «٢» .

وكذلك الحال بالنسبة للشام، لن تكون آمنة إذا كانت مصر في يد قوة معادية، وليس سرّا أن عمرو بن العاص عند ما فكر في فتح مصر كان يرمي من وراء ذلك إلى تأمين الوجود الإسلامي في الشام، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.

وطوال مراحل التاريخ الإسلامي أدرك حكام المسلمين ضرورة الوحدة بين الشام ومصر. فعند ما حدث الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان- أمير الشام- كان أول ما فكر فيه هذا الأخير هو ضم مصر إلى دولته. وكان نجاحه في ذلك مفتاح نجاحه في الوصول إلى الخلافة، وبناء دولة أموية أصبح لها في التاريخ الإسلامي شأن كبير، وكذلك الحال عند ما تعرضت الدولة الأموية للزوال بعد وفاة يزيد بن معاوية (سنة ٦٤ هـ) وكادت تضيع، وعندئذ ظهر مروان بن الحكم بن


(١) غزا معاوية جزيرة قبرص بقوة بحرية شامية مصرية مشتركة (سنة ٢٨ هـ) ، ومع أنه انتصر وامتلك الجزيرة إلا أنه انسحب منها بشروط، فلما أخل أهل قبرص بالشروط غزاها مرة أخرى (سنة ٣٣ هـ) وضمها إلى الدولة الإسلامية، ونقل إليها اثني عشر ألف أسرة من الشام، أسكنهم فيها وبنى لهم المساجد والأسواق ... إلخ.
(٢) د. شكري فيصل- حركة الفتح الإسلامي في القرن الأول (ص ١١٠) .

<<  <   >  >>