للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرى، ثم حدثت الفتنة بين المسلمين في الشطر الثاني من خلافة عثمان (٣٠- ٣٥ هـ) واستمرت طوال خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه (٣٥- ٤٠ هـ) فألقت بظلالها القاتمة على حركة الفتوحات، وكان قصارى جهد عليّ رضي الله عنه أن يحافظ على الفتوحات التي تمت وقد نجح في ذلك- رغم الظروف الصعبة التي كان يكابدها داخليّا- ولم يترك المسلمون شبرا من الأرض التي فتحوها.

[* سياسة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما تجاه البلاد المفتوحة:]

بعد اغتيال علي بن أبي طالب رضي الله عنه على يد شقي من أشقياء الخوارج- هو عبد الرحمن بن ملجم- في رمضان سنة (٤٠ هـ) ، وصلح الحسن بن علي مع معاوية استتب الأمر للأخير وأصبح خليفة للمسلمين بما يشبه الإجماع سنة (٤١ هـ) وهو العام الذي سماه المسلمون عام الجماعة، وقد استبشروا خيرا بخلافة معاوية وبانتهاء فترة الفتن والحروب الأهلية، وكان معاوية يتمتع بصفات كثيرة من صفات رجال الدولة الكبار من الحلم وبعد النظر والدهاء والكرم وسعة الأفق، وقد التف المسلمون حوله وطالت خلافته (٤١- ٦٠ هـ) وكان ينتظر منه أن يستأنف حركة الفتوحات الإسلامية ولكنه لم يفعل، أو بمعنى أصح لم يشهد عهده فتوحات على نطاق واسع، وانتهج سياسة أخرى دلت الأيام وحوادث التاريخ على أنها كانت سياسة حكيمة، كانت تلك السياسة تقوم على تثبيت الفتوحات الإسلامية، وتهيئة البلاد المفتوحة لقبول الإسلام عقيدة وشريعة فقد أدرك معاوية يثاقب نظره أن البلاد التي فتحت في عهد الخلفاء الراشدين قد فتحت بسرعة فائقة، وأن الشعوب لم تتعرف على الإسلام بعد، ومن حقها أن تأخذ فرصتها للتعرف عليه، ومن واجب المسلمين أن يقوموا بمهمة تعريف هذه الشعوب بالإسلام، وشرح تعاليمه ومبادئه وأهدافه، وأن المسلمين ليسوا مستعمرين كالفرس والروم، وإنما جاؤوا ومعهم رسالة توحيد خالصة، تفيض عدلا ورحمة وبرّا بالناس، وقد نهض معاوية رضي الله عنه بهذه المهمة الجليلة وقام بها خير قام، وتدعيما لهذه السياسة وتحقيقا لأهدافها فقد أصدر تعليماته للولاة بتهجير الأسر العربية وإسكانها في البلاد المفتوحة- خاصة بلاد فارس- حتى يكون اختلاط العرب المسلمين أصحاب الرسالة وأكثر الناس فهما لها ومسؤولية عن نشرها سبيلا إلى ازدياد معرفة الفرس بالإسلام فنقل زياد بن أبي سفيان- والي العراق (٤٥- ٥٣ هـ) - خمسين ألف أسرة عربية بعيالهم من

<<  <   >  >>