للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشيع الاستقرار- كما كان زياد وابنه عبيد الله- فإن ذلك كان كفيلا بأن يتيح للحملات على بلاد ما وراء النهر مجالات من السعة والتقدم «١» .

ولدينا طائفة من الروايات التاريخية، كما جاء في فتوح البلدان للبلاذري «٢» حول الذين عبروا النهر- جيحون- عبد الله بن عامر، والحكم بن عمرو الغفاري، الذي كان أول من عبر النهر، وسعيد بن عثمان بن عفان «٣» ، وكان أول من قطعه، وسلم بن زياد، وكانت امرأته أول عربية عبر بها النهر، هذه الروايات قد يبدو فيها التناقض؛ لأن كل واحد من أبطالها قيل عنه: إنه الأول في عبور نهر جيحون وبالتأمل يمكن أن يزول التناقض، إذا تصورنا أنه لا مانع من أن يكون كل واحد منهم عبر من جبهة غير الجبهة التي عبر منها الآخرون، وعلى هذا يكون كل واحد هو الأول في العبور من الجبهة التي عبر منها، وسواء أصح هذا التصور أم لا؛ فإن الحقيقة التي تستخلص من كل تلك الروايات واحدة لا تتغير، وهي أن خطوات المسلمين الأولى إلى بلاد ما وراء النهر كانت خطوات تمهيدية.

ولعل زياد بن أبي سفيان أول من فطن إلى أن فتح ما وراء النهر لا يمكن قبل استقرار الأوضاع في خراسان «٤» ، فأقدم على خطوة مهمة كانت بعيدة المدى والمرمى في حياة خراسان، حيث نقل خمسين ألف أسرة عربية من البصرة والكوفة وأسكنها خراسان «٥» . ومن الطبيعي أن يكون زياد قد تشاور في هذا مع الخليفة معاوية بن أبي سفيان؛ لأنه من غير المعقول أن يقدم على عمل كبير كهذا دون علم الخليفة، وهكذا يمكننا أن نقول في ثقة: إن أسس فتح بلاد ما وراء النهر قد بدأها زياد وتابعها بعده ابنه عبيد الله، الذي وفق في عبور نهر جيحون ودخول بخارى، وبعد أن أخضع مدينة بيكند الغنية ومركز التجارة «٦» ومنها سار إلى بخارى محملا بالغنائم يسير في ركابه أربعة آلاف أسير «٧» وكان ذلك سنة (٥٣ هـ) . وقد استنجدت الملكة خاتون ملكة بخارى بجيرانها الترك الذين حاولوا إنقاذ المدينة، ولما


(١) شكري فيصل- حركة الفتح الإسلامي (ص ٢١٠) .
(٢) (ص ٤٠٨- ٤١٣) .
(٣) زين الأخبار أبو سعيد الكرديزي- (١/ ١٧٣) ترجمة الدكتورة عفاف السيد زيدان.
(٤) أرمينيوس فامبري- تاريخ بخارى (ص ٥٧) .
(٥) البلاذري- فتوح البلدان (ص ٤١٠) .
(٦) تاريخ بخارى (ص ٥٧) .
(٧) زين الأخبار (١/ ١٧٢) .

<<  <   >  >>