للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سنوات فتح بلادا شاسعة فيما وراء النهر، ثم عبر نهر سيحون وفتح الشاش وفرغانة وأشر وسنة وكاشغر، كما أرهب ملك الصين وحمله على دفع الجزية.

وسيبقى اسم قتيبة بن مسلم الباهلي من الأسماء المضيئة في التاريخ الإسلامي، فقد أضاف للعالم الإسلامي إضافة رائعة، ووجه مدنا كبخارى وسمرقند وغيرها لتكون مراكز مشرقة للحضارة الإسلامية في وسط آسيا.

[* بلاد ما وراء النهر بعد قتيبة:]

توقفت فتوحات قتيبة عند مقاطعة كاشغر، ملامسا بذلك حدود الصين، ولم تسمح التطورات التي حدثت في الدولة الأموية بعد موت الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة (٩٦ هـ) باستمرار الفتوحات؛ لأن الفاتح البطل نفسه قتيبة قد قتل «١» في حركة شغب وسوء فهم من الجند- لا مجال لتفسيرها- هنا ولكن الدولة الأموية وإن كانت لم تواصل حركة الفتوحات إلا أنها لم تفرط في الإنجازات التي حققها قتيبة في تلك البلاد، بل كرست جهودها فيما تبقى لها من أيام في تثبيت الفتوحات والسيادة الإسلامية، وتهيئة البلاد لقبول الإسلام عقيدة وفكرا وثقافة، وقد اقتدى خلفاء بني أمية في هذا المجال- خاصة سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك- بعمل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في بلاد فارس- وقد أشرنا إلى ذلك من قبل- وكما نجحت سياسة معاوية وتحولت إيران بشكل تدريجي وسريع إلى الإسلام، بل أصبحت بلاد فارس من أول المدافعين عن الإسلام، وأصبحت قاعدة الانطلاقة الكبرى التي قادها في بلاد ما وراء النهر.

فقد نجحت كذلك جهود الأمويين الأواخر- رغم ما صادف دولتهم من مشكلات كبيرة- كان أخطرها الدعوة العباسية- أقول رغم ذلك نجح الأمويون في معركة تثبيت الفتوحات في بلاد ما وراء النهر، والتمكين للنفوذ الإسلامي، وتهيئة البلاد لقبول الإسلام عقيدة وفكرا وثقافة وسلوكا، وأصبحت بلاد ما وراء النهر بدورها مدافعة بحماس عن الإسلام وعاملة على نشره بين الأتراك الشرقيين ولم تكن تلك المهمة سهلة؛ بل كانت أصعب من مهمة الفتح ذاتها، وكانت بعيدة الأثر في تاريخ الإسلام بصفة عامة، وتاريخ أواسط آسيا بصفة خاصة ولقد أخلصت بلاد ما وراء النهر للإسلام كل الإخلاص وغدت جزآ من أهم أجزائه، غيرة عليه


(١) المصدر السابق (١/ ١٨٠) .

<<  <   >  >>