للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المشروعات العمرانية فحسب كما حدث بعد تمام بناء بغداد، وإنما كانت تشارك في تلك المشاريع بالخبرة الفنية ومواد البناء، بل بالأموال، مما يدل على حسن العلاقات والود المتبادل، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما حدث في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (٨٦- ٩٦ هـ/ ٧٠٥- ٧١٥ م) حيث عزم على تجديد المسجد النبوي في المدينة المنورة، وبناء المسجد الأموي بدمشق، وعندئذ طلب من إمبراطور الروم- كما يروي الطبري «١» - أن يعينه في ذلك، فبعث إليه مائة ألف مثقال ذهب، ومائة عامل، وأربعين حملا من الفسيفساء، فبعث الوليد كل ذلك إلى والي المدينة، ابن عمه عمر بن عبد العزيز، الذي أشرف على تجديد وتجميل المسجد النبوي. كذلك فعل الوليد عند بناء مسجد دمشق، فأمده الإمبراطور بالفنيين ومواد البناء والزخرفة والأموال، وهذه صورة مشرقة للتعاون بين الدولتين وقيمة هذا التعاون المعنوية تفوق قيمته المادية بكثير، فاشتراك المال البيزنطي، والعمال والخبرة الفنية البيزنطية في مشاريع عمرانية إسلامية عمل عظيم، وعند ما تكون هذه المشاريع دور عبادة، أي مساجد، تكون الدلالة أعظم على حسن العلاقات وما يسودها من تسامح بين أكبر دولتين في ذلك الزمان، إحداهما إسلامية والآخرى مسيحية.

[* تبادل الهدايا بين الخلفاء والأباطرة:]

تبادل الهدايا بين رؤساء الدول في المناسبات تقليد قديم، وقد عرفته الدولة الإسلامية منذ قيامها في عصر النبوة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يهدي إلى الوفود التي تأتي إليه ويتقبل الهدايا من رؤساء الدول، فقد أهدى إليه المقوقس- حاكم مصر- كثيرا من الهدايا «٢» منها جاريتان، هما مارية القبطية التي تسرى بها النبي، وأنجب منها ابنه إبراهيم، وأختها سيرين، التي أهداها إلى شاعره حسان بن ثابت، وكان يحث أصحابه على التهادي فيما بينهم، ومن أقواله في ذلك: «تهادوا تحابوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت، وتسل سخيمة القلب» ويروى أنه كان من آخر نصائحه لأصحابه قوله: «أجيزوا الوفد بمثل ما كنت أجيزهم به» يعني أعطوا الوفود التي تأتي إليكم هدايا كما كنت أفعل، وهذا التوجيه موجه لمن يلي الأمر بعده؛ أي: إلى


(١) تاريخ الطبري (٦/ ٤٣٦) - والبلاذري- فتوح البلدان (ص ٢١) .
(٢) السيوطي- حسن المحاضرة (١/ ٤٨) - طبع القاهرة- سنة (١٣٢١ هـ) .

<<  <   >  >>