للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصبح الحاجب هو الرجل الثاني في الدولة بعد الأمير أو الخليفة، فهو بمثابة رئيس الوزراء. ولأهمية المنصب فقد كان الأمويون يختارون له أبناء البيوتات من ذوي الشرف، وظهرت أسماء كثيرة تنتمي إلى أسر مثل أسرة شهيرة بني مغيث وبني أبي عبدة وبني شهيد والمصحفي ... إلخ. والوزارة أيضا اختلف مضمونها ومؤداها عن سميتها في المشرق، حيث لم يكن سوى وزير واحد، يتلقى أوامره من الخليفة وينفذها، إذا كانت شخصية الخليفة قوية وكان يسمى وزير تنفيذ، وإذا كانت شخصية خليفة ضعيفة كان الوزير يستبد بمعظم الأمور، فهو الذي ينفذ وعندئذ كان يسمى وزير تفويض «١» .

أما في الأندلس فقد تعددت الوزارات- وكانت تسمى خطط- وأصبح لكل ناحية من نواحي الإدارة العامة وزير مختص، مثل وزارة المالية والترسيل والمظالم والثغور «٢» ... إلخ.

ولقد اهتم الأمويون اهتماما كبيرا بالقضاء، وكانوا يختارون له- بعد مشاورة كبار العلماء والوزراء- أصلح الناس من المشهورين بالنزاهة وتحري العدل، وكان القضاء مستقلّا ولم يكن القضاة يسمحون لأحد من الأمراء أو الخلفاء أن يتدخل في عملهم، وكانوا يحكمون طبقا لمبادئ الحق والعدل كما تقضي بذلك الشريعة الإسلامية حتى لو كان ذلك ضد رغبة صاحب السلطان، بل كان القضاة أحيانا يتعرضون بالنقد اللاذع للخلفاء في بعض التصرفات التي لا يرضون عنها، مع أنها كانت تخرج عن دائرة عملهم، كما حدث من القاضي منذر بن سعيد البلوطي، فقد انتقد الخليفة عبد الرحمن الناصر علنا في خطبة الجمعة- والخليفة يسمع- على إسرافه في النفقات التي أنفقها في بناء مدينة الزهراء بالقرب من العاصمة قرطبة، ومع أن الخليفة الناصر- وهو من هو- قد غضب غضبا شديدا من القاضي إلا إنه لم يتخذ ضده أي إجراء عقابي، وكل ما فعله أنه امتنع عن أن يصلي خلفه.

وقبل ذلك وفي بداية الدولة قضى القاضي عبد الرحمن بن طريف اليحصبي ضد رغبة وإرادة عبد الرحمن الداخل في قضية كانت موضع اهتمام الأمير، ومع ذلك


(١) الماوردي- الأحكام السلطانية، طبع الحلبي الطبعة الثالثة، القاهرة (١٣٩٣ هـ- ١٩٧٣ م) ، (ص ٢٤، ٢٥) .
(٢) راجع مقدمة ابن خالدون، تحقيق علي عبد الواحد وافي دار نهضة مصر للطباعة والنشر القاهرة، الطبعة الثالثة، (٢/ ٦٧٠) .

<<  <   >  >>