للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نشأة الاستشراق وتطوره إلى نهاية الحروب الصليبية

[* الخلفية التاريخية للاستشراق:]

عند ما ظهر الإسلام في مطلع القرن السابع الميلادي، كانت الحرب مستعرة بين إمبراطورية الفرس الساسانيين، والإمبراطورية الرومانية الشرقية- دولة الروم- على أرض الشرق العربي؛ العراق والشام ومصر، وانتهت تلك الحرب بغلبة الروم على الفرس كما تنبأ القرآن الكريم في صدر سورة الروم، واستردت القسطنطينية سيادتها كاملة على الشام ومصر، وتركت معظم العراق للفرس رغم غلبتهم عليهم.

في هذه الأثناء كان الرسول صلّى الله عليه وسلم قد هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وأقام دولته، وبنى جيشه، وانتصر انتصارا كاملا على الوثنية العربية، ودانت له شبه جزيرة العرب، وتوحدت تحت لوائه لأول مرة في تاريخها كله.

ولما كانت الرسالة الإسلامية رسالة عالمية، موجهة إلى الجنس البشري كله، وليس للعرب وحدهم، كما يؤكد ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: ٢٨] ، وقوله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] ، وقوله: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: ١٥٨] ، إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تثبت عالمية الإسلام، ولما كان الأمر كذلك فقد كان لزاما على النبي صلّى الله عليه وسلم أن يبلغ رسالة الإسلام إلى الدنيا كلها، وقد فعل، فقد أرسل رسائل إلى كبار ملوك العالم وأمرائه، يدعوهم إلى اتباعه والإيمان برسالته، فأرسل إلى كسرى فارس، وإلى هرقل إمبراطور الروم، وإلى إمبراطور الحبشة، وإلى المقوقس حاكم مصر، وكانت رسائل النبي صلّى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الملوك وغيرهم دعوة سلمية إلى الدخول في الإسلام، ولم ترد في أية رسالة منها كلمة واحدة عن الحرب أو التهديد بها، ولم يقل رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأي من هؤلاء الملوك: إذا لم تسلم سأقتلك، وها هو أنموذج من هذه الرسائل: رسالته إلى هرقل؛ فقد كان نصها كالآتي: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنّ إثم الأكّارين عليك» «١» .


(١) ابن الأثير- الكامل في التاريخ (٢/ ٢١٢) ، والمقصود بالأكارين: هم أتباع هرقل.

<<  <   >  >>