للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتابعيات حسب مواطنهم وأمصارهم؛ فمن في مكة المكرمة، ومن في المدينة المنورة، ومن في البصرة، ومن في الكوفة، ثم رتب علماء كل مصر، حسب شهرتهم وزمانهم.

وكان ابن سعد موضع ثقة المحدثين، ومدحه كثيرون منهم، فقد قال فيه الخطيب البغدادي: «محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته» «١» .

وإذا كان ابن سعد قد تتلمذ على أشهر علماء السير والمغازي في وقته، وارتبط اسمه واشتهر بأنه كاتبه، وهو الواقدي؛ فقد كان هو بدوره أستاذا لكثير من العلماء، من أشهرهم المؤرخ الكبير، البلاذري صاحب كتاب فتوح البلدان، وهو من أشهر وأهم الكتب في موضوعه. وقد توفي ابن سعد في بغداد (سنة ٢٣٠ هـ) رحمه الله رحمة واسعة.

هؤلاء العلماء الذين ذكرناهم، هم أشهر وأكبر مؤرخي وكتاب المغازي والسير، طوال القرنين الأول والثاني للهجرة ومطلع القرن الثالث، ومن خلال ما مر نستطيع أن نستنتج النتائج الآتية «٢» :

١- إن أكثر وأشهر كتاب السير والمغازي الأولين، كانوا من أهل من المدينة، وكان ذلك أمرا طبيعيّا؛ لأن أكثر أحداث السيرة وكل المغازي كانت في المدينة، والنبي صلّى الله عليه وسلم هو محور كل ذلك، وكان من حوله من الصحابة أعرف الناس بتلك الأخبار؛ لأنهم شهودها ومشتركون فيها، وكان يروونها ويحدثون بها ويتناقلونها في فخر واعتزاز كبيرين، وقد تلقى التابعون منهم كل ذلك بشغف كبير وسلموا كل ذلك إلى رجال التدوين الذين حفظوه بكل تفاصيله وسلموه بدورهم للأجيال التالية حتى وصل إلينا، وهو ثروة قلما حظيت بها أمة من الأمم عن تاريخ نبيها وسيرته ومغازيه، فجزاهم الله خير الجزاء، وغفر لهم، وأسكنهم فسيح جناته.

٢- كانت السير والمغازي- في البداية- جزآ من الحديث يرويه الصحابة، كما يروون الأحاديث، وقد شغلت السيرة النبوية حيزا غير قليل من الأحاديث، والذين ألفوا في الأحاديث لم تخل كتبهم من ذكر ما يتعلق بحياة النبي صلّى الله عليه وسلم ومغازيه


(١) انظر تاريخ بغداد (٥/ ٣٢١) ، انظر كذلك ضحى الإسلام (٢/ ٣٣٨) .
(٢) انظر في ذلك ضحى الإسلام (٢/ ٣٣٨، ٣٣٩) .

<<  <   >  >>