للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أحبار اليهود، وكانوا لهم حلفاء ومعهم في بلادهم» «١» .

ولكن رغم ذلك فإن ما توحي به لنا المصادر- التي بين أيدينا- أن موقف أهل يثرب من الدعوة في البداية، وقبل الاتصالات التي تمت بين بعضهم وبين الرسول صلّى الله عليه وسلم، تلك الاتصالات التي انتهت ببيعتي العقبة، اللتين مهدتا للهجرة، كان مشابها لموقف سائر العرب، وهو موقف الترقب والانتظار، واعتبار الأمر يخص قريشا وحدها. وكان بين أهل يثرب وأهل مكة صلات طيبة ومصاهرات. «فقد أصهر هاشم بن عبد مناف إلى بني النجار، وظل ابنه عبد المطلب على صلة وثيقة بأخواله هؤلاء، كما كان لغيره من زعماء مكة صداقات مع زعماء يثرب، فقد كان أمية بن خلف الجمحي صديقا لسعد ابن معاذ الأشهلي زعيم الأوس، كما كان العاص بن وائل السهمي وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس وغيرهم، على صلات طيبة ووثيقة بأهل يثرب» «٢» . لذلك كان أهل يثرب حريصين على استمرار تلك الصلات الطيبة مع مكة، ولم يشاؤوا أن يقحموا أنفسهم في أمر كانوا يعتبرونه خاصّا بها، وكان يهمهم أن تحل مكة مشكلاتها مع المحافظة على وحدتها وصلاح ذات بينها؛ لذلك لما ترامت إليهم أخبار تصاعد موقف أهل مكة في عداوتهم للنبي صلّى الله عليه وسلم وإيذائهم له، أظهروا قلقهم وخوفهم من حدوث حرب أهلية بين أهل مكة بسبب النبي صلّى الله عليه وسلم، ودفع هذا القلق رجلا من أهل يثرب، هو أبو قيس بن الأسلت، إلى أن يحذر قريشا من مغبة التمادي في عداوتها للنبي صلّى الله عليه وسلم، وينصحها بعدم اللجوء إلى الحرب. يقول ابن إسحاق: فلما وقع ذكره- أي: رسول الله- بالمدينة وتحدثوا بما بين قريش فيه من الاختلاف، قال أبو قيس بن الأسلت- وكان يحب قريشا وكان لهم صهرا- قصيدة يعظم فيها الحرمة، وينهى قريشا فيها عن الحرب، ويأمرهم بالكف بعضهم عن بعض، ويذكر فضلهم وأحلامهم، ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويذكرهم بلاء الله عندهم ودفعه عنهم الفيل وكيده، فقال:

أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... مغلغلة عني لؤي بن غالب

رسول امرئ قد راعه ذات بينكم ... على النّأي محزون بذلك ناصب

أعيذكم بالله من شر صنعكم ... وشر تباغيكم ودس العقارب


(١) ابن هشام- المصدر نفسه (١/ ٢٩٩، ٣٠٠) .
(٢) أحمد إبراهيم الشريف- المرجع نفسه (ص ١٤٨) .

<<  <   >  >>