للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا متشطت، ولو قد اشتد عليها حرّ مكة لا ستظلّت، قال: فقال: أبرّ قسم أمّي، ولي هناك مال فاخده، قال: فقلت: والله إنك لتعلم أنّي لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما، قال: فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما؛ فلما أبى إلا ذلك قلت: أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى، قال: فأناخ وأناخا ليتحوّل عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن. قال ابن إسحاق:

فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة أنهما حين دخلا به نهارا موثقا، ثم قالا:

يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا» «١» .

هذا مثل من أمثلة التنكيل والأذى الذي ألحقه القرشيّون بالمسلمين ليفتنوهم عن دينهم، وإليك قصة أخرى من قصص قريش المخزية مع المسلمين، والتي تجردت فيها من كل إنسانية، وبطل هذه القصة أبو سلمة المخزومي رضي الله عنه أوّل مهاجر من مكة إلى المدينة، بعد أن أذن الرسول صلّى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إليها، بعد بيعة العقبة الثانية، قال ابن إسحاق: فحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدّته أمّ سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم، قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة ورحل لي بعيره، ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلمّا رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه، قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة، قالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم، حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرّق بيني وبين زوجي وبين ابني «٢» .


(١) ابن هشام- السيرة النبوية (٢/ ٨٤، ٨٦) ، وابن كثير- السيرة النبوية (٢/ ٢٢٠) .
(٢) ابن هشام (٢/ ٧٧) .

<<  <   >  >>