للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي حدث مع الحبشة عند هجرة المسلمين إليها في العام الخامس من البعثة النبوية «١» .

كذلك في السنين الأولى بعد الهجرة، لم تتهيأ الفرصة أمام النبي صلّى الله عليه وسلم للاتصال بالعالم الخارجي؛ لأنه كان أمامه مهمات شاقة كان لا بد أن ينجزها قبل أن يخاطب العالم، ليبلغ رسالته للناس جميعا. كان أمامه أمر بناء الدولة الإسلامية وإرساء دعائمها، وكانت أمامه قريش، التي لا زالت مصرة على مقاومة الدعوة وصد الناس عنها. والحقيقة أن موقف قريش من الإسلام كان في غاية الخطورة؛ لأن بقية العرب كانوا يتربصون بإسلامهم أمر قريش؛ لأن قريشا كانوا أئمة العرب وأهل البيت الحرام، وقادة العرب لا ينكرون ذلك. ولذلك كان النبي صلّى الله عليه وسلم يعطي لأمر قريش الأولوية على سواه. «فلما افتتحت مكة ودانت له قريش ودوخها الإسلام، عرفت العرب أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله ... » «٢» .

وكان أمام النبي صلّى الله عليه وسلم مشكلة اليهود، وتامرهم على الإسلام والمسلمين، وكيدهم لهم. وقصة اليهود مع الإسلام منذ ظهورة قصة طويلة، فمنذ هاجر النبي صلّى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بدأت فصول هذه القصة التي لم تنته بين الإسلام واليهود حتى الآن.

وعند هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة عاهد اليهود واعتبرهم مواطنين في دولة الإسلام، وضمن لهم حرية عقيدتهم وشعائرهم الدينية وأحسن معاملتهم «٣» . ولكنهم لم يحسنوا هذه المعاملة؛ لما جبلوا عليه من لؤم الطبع والمكر والخيانة؛ فهم شر الدواب الذين ينقضون عهدهم في كل مرة، ولا يرعون عهدا ولا وعدا.

فبعد الانتصار الرائع للرسول صلّى الله عليه وسلم على قريش في غزوة بدر الكبرى، في رمضان من السنة الثانية للهجرة، تحركت أحقاد يهود بني قينقاع وحزنوا على هزيمة قريش، وأظهروا استياءهم لانتصار المسلمين، وأخذوا يتحرشون بهم، ولم يراعوا ما بينهم وبين المسلمين من عهود، فنقضوها ونكثوا بها، فأجلاهم النبي صلّى الله عليه وسلم عن المدينة «٤» .


(١) انظر قصة الهجرة إلى الحبشة في ابن هشام (١/ ٣٤٣) وما بعدها.
(٢) البداية والنهاية- ابن كثير (٥/ ٤٠) وانظر كذلك الروض الأنف- السهيلي (٧/ ٣٥٧) ، والكامل ابن الأثير (٢/ ٢٨٦) .
(٣) راجع نصوص معاهدة المدينة- ابن هشام (٢/ ١١٩) وما بعدها، محمد حميد الله- الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (ص ٤١) وما بعدها، وحياة محمد. د. هيكل (ص ٢٢٥) وما بعدها.
(٤) انظر في أمر بني قينقاع سيرة ابن هشام (٢/ ٤٢٦) . وابن كثير- البداية والنهاية (٤/ ٣، ٤) .

<<  <   >  >>