للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهؤلاء عشرة من بني عبد الدار- من حملة اللواء- أبيدوا عن آخرهم، ولم يبق منهم أحد يحمل اللواء، فتقدم غلام لهم حبشي- اسمه صواب- فحمل اللواء، وأبدى من صنوف الشجاعة والثبات ما فاق به مواليه من حملة اللواء الذين قتلوا قبله، فقد قاتل حتى قطعت يداه، فبرك على اللواء بصدره وعنقه؛ لئلا يسقط حتى قتل وهو يقول: اللهم هل أعذرت، يعني هل أعذرت؟ «١» .

وبعد أن قتل هذا الغلام- صواب- سقط اللواء على الأرض، ولم يبق أحد يحمله، فبقي ساقطا.

[القتال في بقية النقاط:]

وبينما كان ثقل المعركة، يدور حول لواء المشركين، كان القتال المرير يجري في سائر نقاط المعركة، وكانت روح الإيمان قد سادت صفوف المسلمين، فانطلقوا خلال جنود الشرك انطلاق الفيضان تتقطع أمامه السدود، وهم يقولون «أمت، أمت» ، كان ذلك شعارا لهم يوم أحد.

أقبل أبو دجانة معلما بعصابته الحمراء، آخذا بسيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم، مصمما على أداء حقه، فقاتل حتى أمعن في الناس، وجعل لا يلقى مشركا إلا قتله، وأخذ يهدّ صفوف المشركين هدّا. قال الزبير بن العوام: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه، وأعطاه أبا دجانة، وقلت أي في نفسي: أنا ابن صفية عمته، ومن قريش، وقد قمت إليه، فسألته إياه قبله فآتاه إياه وتركني، والله لأنظرن ما يصنع؟ فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، فخرج وهو يقول:

أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل

أن لا أقوم الدهر في الكيول «٢» ... أضرب بسيف الله والرسول

فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا ذفّف عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا، فاختلفا


(١) كان بلسانه لكنة يقلب الذال إلى الزاي.
(٢) الكيول: اخر الصفوف. يعني أنه لا يقاتل في مؤخرة الصفوف. بل يظل أبدا في المقدمة.

<<  <   >  >>