للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الهزيمة تنزل بالمشركين:]

هكذا دارت رحى الحرب الزبون، وظل الجيش الإسلامي الصغير مسيطرا على الموقف كله، حتى خارت عزائم أبطال المشركين، وأخذت صفوفهم تتبدد عن اليمين والشمال والأمام والخلف، كأن ثلاثة آلاف مشرك يواجهون ثلاثين ألف مسلم، لا بضع مئات قلائل، وظهر المسلمون في أعلى صور الشجاعة واليقين.

وبعد أن بذلت قريش أقصى جهدها لسد هجوم المسلمين أحست بالعجز والخور، وانكسرت همتها- حتى لم يجترىء أحد منها أن يدنو من لوائها، الذي سقط بعد مقتل صواب، فيحمله ليدور حوله القتال- فأخذت في الانسحاب، ولجأت إلى الفرار، ونسيت ما كانت تتحدث به في نفوسها من أخذ الثأر والوتر والانتقام، وإعادة العز والمجد والوقار.

قال ابن إسحاق: ثم أنزل الله نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن المعسكر، وكانت الهزيمة لا شك فيها. روى عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم- سوق- هند بن عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير.. إلخ «١» وفي حديث البراء بن عازب عند البخاري في الصحيح: فلما لقيناهم هربوا، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، يرفعن سوقهن قد بدت خلا خيلهن «٢» . وتبع المسلمون المشركين، يضعون فيهم السلاح، وينتهبون الغنائم.

[غلطة الرماة الفظيعة:]

وبينما كان الجيش الإسلامي الصغير يسجل مرة أخرى نصرا ساحقا على مكة لم يكن أقل روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر، وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع تماما، وأدت إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين، وكادت تكون سببا في مقتل النبي صلّى الله عليه وسلم، وقد تركت أسوأ أثر على سمعتهم، والهيبة التي كانوا يتمتعون بها بعد بدر.

لقد أسلفنا نصوص الأوامر الشديدة التي أصدرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الرماة، بلزومهم موقفهم من الجبل في كل حال من النصر أو الهزيمة، لكن على رغم هذه الأوامر


(١) ابن هشام ٢/ ٧٧.
(٢) صحيح البخاري ٢/ ٥٧٩.

<<  <   >  >>