للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جبهته. وجاء فارس عنيد هو عبد الله بن قمئة فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة، شكا لأجلها أكثر من شهر، إلا أنه لم يتمكن من هتك الدرعين، ثم ضرب على وجنته صلّى الله عليه وسلم ضربة أخرى عنيفة كالأولى، حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، وقال: خذها وأنا ابن قمئة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم له وهو يمسح الدم عن وجهه: أقمأك الله «١» .

وفي الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلم كسرت رباعيته، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول:

كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله، فأنزل الله عز وجل:

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «٢» .

وفي رواية الطبراني أنه قال يومئذ: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله، ثم مكث ساعة ثم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون «٣» . وكذا في صحيح مسلم أنه كان يقول:

رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون «٤» ، وفي الشفاء للقاضي عياض أنه قال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون «٥» .

ولا شك أن المشركين كانوا يهدفون القضاء على حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إلا أن القرشيين سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله قاما ببطولة نادرة، وقاتلا ببسالة منقطعة النظير، حتى لم يتركا- وهما اثنان فحسب- سبيلا إلى نجاح المشركين في هدفهم، وكانا من أمهر رماة العرب، فتناضلا حتى أجهضا مفرزة المشركين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

فأما سعد بن أبي وقاص، فقد نثل له رسول الله صلّى الله عليه وسلم كنانته، وقال: ارم فداك أبي وأمي «٦» . ويدل على مدى كفاءته أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يجمع أبويه لأحد غير سعد ٧.


(١) وقد سمع الله دعاء رسوله صلّى الله عليه وسلم، فعن ابن عائذ أن ابن قمئة «انصرف إلى أهله، فخرج إلى غنمه، فوافاها على ذروة جبل، فدخل فيها، فشد عليه تيسها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع (فتح الباري ٧/ ٣٧٣) وعند الطبراني فسلط الله عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة (فتح الباري ٧/ ٣٦٦) .
(٢) صحيح البخاري ٢/ ٥٨٢، وصحيح مسلم ٢/ ١٠٨.
(٣) فتح الباري ٧/ ٣٧٣.
(٤) صحيح مسلم باب غزوة أحد ٢/ ١٠٨.
(٥) كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١/ ٨١.
(٦- ٧) صحيح البخاري ١/ ٤٠٧، ٢/ ٥٨٠، ٥٨١.

<<  <   >  >>